مدارك / هيئة التحرير
في خضم حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، أتى قرارها بحظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ليشكل صدمة جديدة، أثارت مخاوف مئات الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون نكبتهم الثانية.
القرار الإسرائيلي، الذي صادق عليه الكنيست في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، يقضي بإلغاء اتفاقية 1967 بين إسرائيل والأونروا وحظر أنشطة الوكالة الأممية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. خطوة جوبهت بتنديد دولي واسع، لكنها أيضًا أثارت قلقًا عميقًا بشأن التداعيات الوخيمة على حياة 2.5 مليون فلسطيني يعتمدون بشكل أساسي على خدمات الأونروا في قطاع غزة.
حقائق وأرقام صادمة
وفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، من بين أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا، يعيش نحو 2.5 مليون في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يمثل 42% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين (15% منهم في الضفة الغربية و27% في غزة). في القطاع تحديدًا، يشكل اللاجئون 66.1% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون، بات معظمهم يعيشون في خيام أو مراكز إيواء بسبب أوامر التهجير القسري التي نفذتها إسرائيل على مدار 14 شهرًا من العدوان.
تنديد دولي ومخاوف متزايدة
قرار الحظر أثار موجة استهجان عالمية. المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، وصفه بـ”السابقة الخطيرة”، مؤكدًا أنه يشكل تحديًا مباشرًا لميثاق الأمم المتحدة. وأوضح لازاريني: “النية من هذا التشريع تتجاوز تقويض الأونروا إلى محاولة إنهاء حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسعي لتغيير المعايير الدولية المتعلقة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.
أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أضاف ثقله إلى الانتقادات، قائلاً: “الأونروا ليست مجرد وكالة خدماتية، بل تمثل التزام المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الفلسطينيين. محاولات حظرها تعني تقويض حقوق اللاجئين، خاصة حقهم في العودة، وهو حق لا يمكن التنازل عنه”.
الأونروا: شريان حياة في خطر
تأسست الأونروا عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتقديم الحماية والمساعدة للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس: الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية، وقطاع غزة.
في غزة وحدها، تشرف الأونروا على مئات المدارس والمراكز الصحية، وتقدم المساعدات الغذائية والخدمات الاجتماعية. يعمل لديها نحو 13 ألف موظف في القطاع و3,500 في الضفة الغربية. تمثل الوكالة “العمود الفقري” للمساعدات في غزة، حيث يعتمد السكان على خدماتها لتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر.
المفوض العام لازاريني حذر من أن: “تفكيك الأونروا سيحرم الأطفال الفلسطينيين من التعلم، وسيترك الملايين دون رعاية صحية أو غذائية. الأونروا ليست مجرد وكالة خدماتية، بل هي مصدر أمل لملايين اللاجئين”.
عداء إسرائيل للأونروا: تاريخ من التصعيد
معاداة إسرائيل للأونروا ليست جديدة، بل تمتد لعقود. شملت هذه العداوات فرض قيود على حركة موظفي الوكالة، محاولات إغلاق مدارسها، واتهامات متكررة باستخدامها كمنصة للتحريض ضد إسرائيل.
تصاعد هذا العداء منذ أكتوبر 2023، حين اتهمت إسرائيل موظفي الأونروا بالتواطؤ في هجوم “طوفان الأقصى” وادعت أن نظام التعليم في الوكالة يغذي “الإرهاب والكراهية”. ورغم عدم وجود أدلة تثبت هذه المزاعم، استغلتها إسرائيل لتبرير سياساتها العدائية.
الأبعاد السياسية لقرار الحظر
يرى مراقبون أن الهدف الحقيقي من القرار ليس مواجهة “التحريض” كما تدعي إسرائيل، بل تقويض دور الأونروا كشاهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة.
تمارا الرفاعي، مديرة العلاقات الخارجية في الأونروا، أكدت ذلك بقولها: “الأونروا ليست مجرد مؤسسة خدماتية، بل تمثل الذاكرة الجمعية للاجئين الفلسطينيين. هي شاهد على نكبتهم ومعاناتهم، وحظرها يعني محاولة محو القضية الفلسطينية من ذاكرة العالم”.
الكاتب الفلسطيني رامي أبو جاموس ذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن:”القرار الإسرائيلي محاولة للانتقال من المسح الإنساني إلى المسح السياسي. وجود الأونروا يعني استمرار حق العودة، وإزالتها تعني محاولة لإنهاء الانتماء الفلسطيني لهذه الأرض”.
التداعيات الإنسانية الكارثية
لا يمكن التقليل من حجم الكارثة الإنسانية التي سيخلفها هذا القرار. الأونروا تقدم خدمات تعليمية لـ540 ألف طالب فلسطيني، وتوفر الغذاء والمأوى لملايين اللاجئين. حظرها يعني ترك هؤلاء دون أي دعم، ما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في غزة والضفة الغربية.
رامي عبده، رئيس “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، وصف القرار بـ”إعلان حرب على مجتمع اللاجئين”. أضاف: “الأونروا ليست مجرد مقدم خدمات، بل تمثل حماية رمزية وواقعية للاجئين. حظرها يشكل جريمة إضافية بحق الشعب الفلسطيني، ووصمة عار في سجل المجتمع الدولي”.
الأونروا.. معركة الفلسطينيين في مواجهة النسيان
بينما تواصل إسرائيل محاولاتها لتقويض الأونروا، تبقى القضية الفلسطينية بحاجة إلى دعم دولي حقيقي يضمن استمرار الوكالة وحمايتها. الأونروا ليست مجرد مؤسسة، بل هي رمز للصمود الفلسطيني وحق العودة.
قرار الحظر يجب أن يُواجَه بحزم من المجتمع الدولي، لأن تداعياته لن تمس اللاجئين فقط، بل ستعيد تعريف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتضعف أي أفق لحل عادل وشامل.
رغم كل الضغوط، تبقى الأونروا شاهدًا حيًا على النكبة وذاكرة اللاجئين الفلسطينيين، وستظل حاضرة طالما هناك شعب يؤمن بحقه في العودة والعيش بكرامة.