الأربعاء 22/يناير/2025

نساء غزة.. حكايات تحت نار الإبادة

الأربعاء 25-ديسمبر-2024

هيئة التحرير / مدارك
بين أعباء النزوح وثقل المسؤوليات، تتوزع معاناة المرأة الفلسطينية في قطاع غزة، محاطة بواقع جديد وتحديات فرضتها الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من أربعة عشر شهرًا. هذه الحرب ألقت بظلالها الثقيلة على كل مناحي الحياة، مما جعل النساء في القطاع أيقونات للصمود وسط أوجاع الفقد والدمار.

“ماجدات فلسطين”، كما يحلو للكثيرين تسميتهن، وجدن أنفسهن في قلب المعركة بأشكال مختلفة. فهن شهيدات وجريحات، وأخريات يعملن كطبيبات ومسعفات يقفن في الصفوف الأمامية، إلى جانب أدوارهن كأمهات وربات بيوت نزحن إلى الخيام أو مراكز الإيواء، حيث تحملن همومًا ومسؤوليات تضاعف معاناتهن اليومية.

ورغم القسوة التي تفرضها هذه الظروف، تُظهر المرأة الفلسطينية صلابة نادرة، تحاول من خلالها الحفاظ على عائلتها وأحبائها في حالة أفضل رغم الدمار الذي يحيط بها. هي تحارب على جبهات عدة، من تلبية احتياجات الأسرة اليومية وسط شح الموارد، إلى الحفاظ على تماسكها النفسي والعاطفي في مواجهة هذا الواقع المرير.

وسط خيمة ضيقة بمساحة لا تتجاوز عشرين مترًا مربعًا، حيث تتشارك العائلة مكانًا للعيش والطهي والنوم، تعيش أسرة فقدت إحساسها بالأمان والاستقرار. توضح أم علي، وهي أم لسبعة أطفال، كيف انتقلت من منزلها في مخيم الشاطئ الذي كان بسيطًا لكنه دافئ، إلى خيمة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.

الوضع الجديد لم يفرض فقط قيودًا على حياة الأسرة، بل حوّل كل مهمة يومية إلى تحدٍّ كبير. بين الوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز أو تعبئة المياه، وتحضير الطعام وسط شح الموارد، تجد نفسها تحمل أعباءً لم تعرفها من قبل. ومع ذلك، تسعى جاهدة لضمان استمرارية تعليم أبنائها في ظل غياب المدارس، وتوفر لهم من وقتها ما تستطيع للحفاظ على مستواهم الدراسي.

في سياق مشابه، تصف أم أحمد، التي فقدت زوجها وابنها البكر في قصف استهدف منزلهم في حي الشجاعية، رحلتها القاسية مع النزوح إلى مخيم النصيرات. الفقد الذي عصف بأسرتها جعلها تواجه الحياة بمفردها، تتحدى ظروف النزوح وآلام الفقد دون معيل.

تقول بصوت يملؤوه الحزن: “أشعر وكأنني في كابوس لا أستطيع الاستيقاظ منه. الحياة قاسية جدًا، ومع ذلك نحاول أن نبقى واقفين.” كلماتها تجسد مشاعر الآلاف من النساء اللواتي يواجهن الفقد والخوف، لكنهن يتمسكن بالأمل في غدٍ أفضل.

رغم المعاناة، تظل أم أحمد مؤمنة بأن الصبر سيجلب الخير، وتؤكد: “يقيني بالله يعطيني القوة. أدعو أن ينتهي هذا الظلم قريبًا.” في رسالتها إلى العالم، عبرت عن إحباطها من صمت المجتمع الدولي، واصفة إياه بـ”الظالم الصامت”، وأكدت أن شعارات حقوق الإنسان والمرأة والطفل لا تعكس الواقع الحقيقي للشعوب المحتلة.

تشير التقارير الرسمية إلى أن أكثر من 12,136 فلسطينية استشهدن في غزة حتى ديسمبر 2024، مما تسبب في تيتم 19 ألف طفل. هذا الرقم يعكس جانبًا من معاناة النساء اللواتي شُرّدن وأصبحن يواجهن المجاعة وانعدام الأمن الغذائي.

ظروف النزوح تفرض تحديات إضافية على النساء الحوامل والمرضعات اللواتي يحتجن إلى كميات أكبر من المياه النظيفة. كما أشارت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن هذه الظروف تؤثر بشكل خاص على النساء والفتيات في الحفاظ على نظافة الدورة الشهرية والتعامل مع الاحتياجات اليومية بكرامة وأمان.

المديرة الإقليمية للوكالة، سوزان ميخائيل، وصفت الوضع بأنه “حرب على النساء”، حيث يدفعن ثمنًا باهظًا لصراع ليس لهن يد فيه.

رغم ما تواجهه النساء في غزة من معاناة، يظهر صمودهن كدليل على قدرة الإنسان على تحدي المحن. هذا الصمود يُظهر أن النساء هن العمود الفقري للمجتمع، ويؤكد على ضرورة دعمهن من خلال برامج إغاثية وتنموية تعزز صمودهن.
استهداف النساء لا يبدو عشوائيًا، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر الإرادة الجماعية للمجتمع الفلسطيني. ومع ذلك، فإن إرادة النساء في غزة تبقى أقوى من محاولات الاحتلال للنيل من عزيمتهن.

ما سبق يعكس صورة مصغرة من معاناة المرأة الفلسطينية في غزة، التي تواجه الفقد والنزوح بأعباء مضاعفة. وبينما يستمر صمت العالم، تبقى المرأة رمزًا للصمود، تحمل على عاتقها مسؤوليات الحياة في ظل غياب كل مقوماتها. ورغم هذه الأعباء، يظل الأمل حاضرًا في قلوبهن، يرسم لهن ملامح مستقبل أفضل في ظل إيمان لا ينكسر وصبر يُقاوم كل محاولات الإبادة.