مدارك / هيئة التحرير
عبر مئات قرارات الهدم والمصادرة، كرست إسرائيل ضمها للضفة الغربية خلال السنوات الماضية، قبل أن تدخل مرحلة جديدة بإجراءات علنية ورسمية لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة لفتح بابًا لتغييرات جذرية في الواقع الفلسطيني.
التوجهات الجديدة للحكومة الإسرائيلية عبر عنها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، في نوفمبر 2024 بإعطاء تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية (تتبعان وزارة الجيش) للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق “السيادة” على الضفة الغربية.
وفي تغريدة على منصة “إكس” قال سموتريتش: إن 2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية على “يهودا والسامرة” وهو الاسم الذي تطلقه إسرائيل على الضفة الغربية.
وفي السياق ذاته، نقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تأكيده ضرورة إعادة قضية “ضم” الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته عند تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
قائمة المستوطنات والبؤر الاستيطانية
ونقلت الهيئة عن “مقربين من نتنياهو” قولهم إن خطط ضم الضفة الغربية لإسرائيل موجودة بالفعل، وعملت عليها إسرائيل منذ عام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب كجزء مما تسمى بصفقة القرن.
سياسات التوسع الاستيطاني
ومنذ بداية حكمها في عام 2022، ركزت حكومة نتنياهو ذات التوجهات اليمينية المتطرفة على تعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة. وشمل هذا التوجه تهجير الفلسطينيين، بعد هدم منازلهم ومصادرة أراضيهم، وتوسيع المستوطنات بشكل غير مسبوق. وقد جاء قرار فرض السيادة على الضفة الغربية كجزء من هذه السياسات الممنهجة، التي تستهدف تحويل الضفة الغربية إلى جزء من “إسرائيل” وفرض قوانينها عليها.
قرار فرض السيادة يتضمن -وفق الخبراء- سلسلة من الإجراءات التي تشمل توسيع المستوطنات، وفرض القوانين الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وإلغاء الإدارة المدنية في الضفة الغربية، مما يعني سحب أي نوع من السيطرة أو التنظيم الفلسطيني في هذه المناطق، خاصة في المناطق المصنفة “ج” والتي تمثل الجزء الأكبر من الضفة الغربية.
واستغلت إسرائيل الأربعة عشر شهرًا الماضية من حرب الإبادة التي تشنها في قطاع غزة لتكريس الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية. ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية؛ فإن الجديد في الإجراءات الإسرائيلية في عام الحرب هو تسريع كل المخططات والسياسات سواء البناء الاستيطاني أو مصادرة الأراضي أو هدم المباني الفلسطينية.
ومطلع ديسمبر 2024 نقلت القناة الـ14 الإسرائيلية عن سموتريتش إعلانه مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لمصلحة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وتأكيده أنه لن تكون هناك أبدا ما وصفها بدولة إرهابية عربية تهدد وجود إسرائيل.
وفي أكتوبر 2024، أشارت معطيات الهيئة إلى الاستيلاء على 52 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) خلال الحرب، وإقامة 12 منطقة عازلة حول المستوطنات، بينما درست جهات التخطيط الإسرائيلية 182 مخططاً هيكلياً لغرض بناء ما مجموعه 23 ألفا و267 وحدة استيطانية على مساحة 14 ألف دونم، وقد جرت المصادقة على 6300 وحدة منها. وتوزعت المخططات الهيكلية على محافظة المدينة المقدسة بـ65 مخططا هيكليا.
وتوزعت أبرز البؤر الاستيطانية الجديدة بعد 7 أكتوبر 2023 على محافظة الخليل (8 بؤر)، رام الله (6 بؤر)، بيت لحم (4 بؤر)، و3 بؤر أخرى في نابلس ثم باقي المحافظات، بالإضافة إلى شق 7 طرق لتسهيل تحرك المستوطنين وربط بؤر بمستوطنات قائمة، إلى جانب تسوية أوضاع (شرعنة) 11 بؤرة استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات أو أحياء استيطانية تتبع لمستعمرات قائمة، وأحالت ما مجموعه 9 بؤر أخرى لإجراءات الشرعنة.
وأشارت إلى أن عدد الحواجز الدائمة والمؤقتة من بوابات وحواجز عسكرية أو ترابية، والتي تقسم الأراضي الفلسطينية وتفرض تشديدات على تنقل الأفراد والبضائع بلغت 872 حاجزاً عسكرياً وبوابة، منها أكثر من 156 بوابة استحدثت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويرى نتنياهو في عام 2025 “فرصة ذهبية” سانحة لتحويل أحلامه التوراتية واقعًا يخرج لحيّز التنفيذ بمجرد تسلم ترامب لسلطاته في البيت الأبيض بشكلٍ رسميّ. وفي هذا السياق، ينبه الكاتب والمحلل السياسي فرج شلهوب أنّ “فرض السيادة” الإسرائيلية على الضفة الغربية بات أكثر جديّة من أيّ وقتٍ مضى، لا سيما في ظل وجود إدارة أمريكية يمينية يقودها ترامب، تتزامن مع حالة السيولة التي يشهدها الإقليم، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ الأيّام المقبلة ستشهد إجراءاتٍ عمليةٍ في هذا السياق.
ويرى أنّ اليمين الإسرائيلي يسعى إلى أن يكون عام ٢٠٢٥، عام فرض السيادة في الضفة الغربية، بمعنى تطبيق بعض إن لم يكن الكثير من الرؤى التلمودية لهذا اليمين في الضفة، على قاعدة ضمّ الضفة الغربية، وربما يحظى نتنياهو وهذا ما يتوقعه ويطمح إليه، دعم واضح وصريح من إدارة ترامب بالسماح بضم الضفة الغربية على غرار ما جرى في الجولان في الولاية الأولى لترامب، وما تعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل.
إلغاء “الإدارة المدنية” خطوة نحو الضم
إحدى أبرز الخطوات التي تعكس سياسة الضم هي إلغاء ما يُسمى “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي الهيئة التي كانت تشرف على شؤون المدنيين في الضفة الغربية. هذه الإدارة الإسرائيلية كانت مسؤولة عن تنظيم جوانب الحياة اليومية، مثل تصاريح البناء، التراخيص الزراعية، وتخطيط المدن في المناطق الفلسطينية، إلى جانب مهمات أخرى مثل تنفيذ أوامر الهدم في القرى الفلسطينية.
ورغم أن الإدارة كانت أداة تنكيل بالفلسطينيين فإن إلغائها يعني أن الحكومة الإسرائيلية ستكون هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تنظيم جميع شؤون الحياة، وينهي أي إجراءات للتوسع الاستيطاني.
فمع غياب الإدارة المدنية، سيكون بناء المستوطنات الإسرائيلية أكثر مرونة وأقل رقابة دولية. في الوقت ذاته، ستزداد عمليات هدم المنازل الفلسطينية، خاصة في المناطق المصنفة “ج” حيث لا يُسمح للفلسطينيين بالبناء دون تصاريح، والتي نادرًا ما تُمنح. هذا يخلق واقعًا جديدًا على الأرض يتسم بتسارع الاستيطان في مقابل تقليص المساحات المخصصة للفلسطينيين.
مخاوف من التهجير القسري
ويواجه الفلسطينيون في المناطق المجاورة للمستوطنات خطر التهجير القسري نتيجة للسياسات الإسرائيلية الجديدة. وحاليا تفرض سلطات الاحتلال قيودًا على الوصول إلى الأراضي والمياه، وتعزز الفصل بين المستوطنات والمناطق الفلسطينية عبر جدار الفصل العنصري والطرق العسكرية، مما يجعل الحياة اليومية للفلسطينيين أكثر صعوبة.
ردود فعل دولية
وقوبل القرار الإسرائيلي بانتقادات شديدة من المجتمع الدولي. الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أبدت قلقها من التداعيات السلبية لهذا القرار على عملية السلام في المنطقة. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيد من التوترات والعنف في الضفة الغربية، حيث أشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن عملية الضم تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي.
كما نددت الدول العربية بهذه الخطوة، وعدّت أنها ضربة جديدة للمفاوضات بشأن حل الدولتين، والتي لا تزال هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
مستقبل الضفة الغربية
وسط هذا التصعيد، يصبح المستقبل غير واضح المعالم بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية. فسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية بالكامل تعني أن الأراضي الفلسطينية ستصبح تحت سيطرة إسرائيلية مباشرة، وهو ما يهدد وجود الفلسطينيين في هذه المناطق ويعزز من تفوق الاستيطان الإسرائيلي في المستقبل القريب.
إحدى الخطط المثيرة للجدل، كشفتها صحيفة “إسرائيل اليوم” في الأول من ديسمبر 2024، وهي خطة يقودها عدد من القادة السياسيين ورؤساء المستوطنات الإسرائيلية، تستهدف ضم الضفة الغربية بالكامل وتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من “إسرائيل”. هذه الخطة، التي أعدها المجلس الإقليمي للمستوطنات “يشع” بالتعاون مع أعضاء كنيست يمينيين، تنطلق مما يصفونه بـ”نافذة الفرص” التي توفرها إدارة الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب.
تشمل الخطة إقامة أربع مدن جديدة، وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في مناطق واسعة من الضفة الغربية، إلى جانب تحويل المجالس المحلية للمستوطنات إلى سلطات إقليمية أوسع صلاحية. بحسب الكاتب حنان غرينوود، فإن التصريحات العلنية لوزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش بشأن الاستيطان في غزة كانت مجرد واجهة؛ بينما تكمن التحركات الفعلية في كواليس خطة أوسع تهدف إلى ترسيخ المشروع الاستيطاني.
تتضمن الخطة إنشاء أربع مدن جديدة مخصصة لفئات معينة من السكان، بما في ذلك مدينة درزية وأخرى مخصصة للأرثوذكس المتطرفين. كما تهدف إلى تطوير المستوطنات الحالية وتحويلها إلى مدن كبرى تتمتع ببنية تحتية متكاملة وحديثة. إضافة إلى ذلك، تسعى الخطة إلى توسيع سلطات المجالس الإقليمية لتشمل المناطق الواقعة بين المستوطنات، والتي تُعرف بالمنطقة “ج”، الخاضعة حاليًا للسيطرة العسكرية الإسرائيلية وإشراف السلطة الفلسطينية المدني.
أحد الأهداف المركزية للخطة هو إنهاء دور السلطة الفلسطينية من خلال إنشاء بلديات عربية محلية بديلة، مستوحاة من تجربة “روابط القرى” التي جربتها إسرائيل في عام 1976 وفشلت بسبب الرفض الفلسطيني. ويهدف هذا التوجه إلى تحويل نظام الحكم في إسرائيل إلى صيغة شبه فيدرالية، بما يعزز سيطرتها على الضفة الغربية.
الخطة تشير أيضًا إلى تحويل المدن والقرى الفلسطينية في الضفة إلى بلديات خاضعة للنظام الإداري الإسرائيلي، مما يُحدث تحولًا جذريًا في الواقع الجيوسياسي، ويضع الفلسطينيين أمام تحديات جديدة في ظل محاولات “إسرائيل” فرض سيادتها الكاملة على الأرض.
رغم تعدد الخطط والمشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى السيطرة على الضفة الغربية وفرض السيادة الكاملة عليها، تبقى الكلمة الأخيرة لصمود الفلسطينيين المتجذرين في أرضهم، الذين يواصلون التمسك بحقهم المشروع في مواجهة محاولات التهجير والاستيطان.