مدارك / هيئة التحرير
في كل مرة يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارة عنيفة تخلف أعدادًا كبيرة من الضحايا أو دمارًا هائلًا، تتجه الأنظار إلى طبيعة الشظايا التي تبقت من المقذوفات القاتلة والمدمرة؛ ليتبين غالبًا أنها أمريكية الصنع.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، فتح البنتاغون مخازنه العسكرية لتزويد آلة الحرب الإسرائيلية بكل ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر، إلى جانب الدعم السياسي، الذي سمح باستمرار الإبادة الجماعية لما يزيد على أربعة عشر شهرًا.
وتفوق المساعدات العسكرية الأمريكية، التي تلقتها إسرائيل، أي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، وهي منذ فترة طويلة، مسألة إجماع لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
دعم بالمليارات
نشر مشروع “تكاليف الحرب” بجامعة براون في ورقة بحثية في أكتوبر الماضي أن دعم حرب إسرائيل على غزة وفي دول أخرى كلف الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.76 مليار دولار منذ 7 أكتوبر 2023.
ووفق الدراسة، فإن هذا الرقم لا يمثل سوى جزء من الدعم الأمريكي الإجمالي للجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة، حيث تتعدد القنوات التي تساهم في توفير أسلحة لإسرائيل بجانب المساعدات الأمنية المذكورة، ومنها: برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF)، وسحب المعدات من المخزون الأمريكي الحالي، بالإضافة إلى أن بعض المعدات المنقولة إلى إسرائيل لدعم حربها على غزة منذ 7 أكتوبر كانت تستند إلى اتفاقيات بيع أُبرمت في السنوات الماضية.
أحد التحديات الرئيسية في تقدير الدعم العسكري الأمريكي بشكل دقيق ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست في مارس 2024، بشأن إبرام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ما لا يقل عن 100 صفقة أسلحة مع إسرائيل منذ أكتوبر 2023، لكن قيمتها أقل من الحد الذي يستوجب إخطار الكونغرس بتفاصيلها، وهو ما يعد تناقضًا مع ضرورة الإبلاغ الحكومي للمساعدات المقدمة لأوكرانيا والتي يتم فيها الإبلاغ عن المبالغ بالدولار وقنوات التسليم وأنظمة التوريد للأسلحة.
شراكة في الإبادة
واستخدمت إسرائيل هذه الأسلحة لتدمير البنية التحتية في غزة، مما تسبب بمقتل وإصابة أكثر من 152 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، مع نحو 11 ألف مفقود، وتسوية قرابة 70% من مباني القطاع.
ورغم النداءات التي أطلقتها كبرى منظمات حقوق الإنسان الدولية للدول التي تزود إسرائيل بالسلاح، واصلت الولايات المتحدة نهجها بتسليح تل أبيب، وصوّت مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرًا ضد ثلاث تشريعات تقيد مبيعات الأسلحة لإسرائيل، حيث صوت 79 عضوًا لصالح استمرار الإمدادات العسكرية مقابل 18 صوتًا ضدها.
المعارضة الكبيرة بين أعضاء مجلس الشيوخ لدعم إسرائيل عسكريًا، وإن كانت لم توقف هذا الدعم، إلا أنها غير مسبوقة.
فقد قاد السيناتور بيرني ساندرز جهود معارضة للتسليح، مؤكدًا ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية والأمريكية التي تمنع تسليح الدول التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية.
إسرائيل تستخدم الأسلحة الأمريكية بشكل “غير قانوني وغير أخلاقي”، هذا ما خلص إليه ساندرز، مشيرًا إلى أنها دمرت أحياء مكتظة بالسكان بقنابل تزن 2000 رطل، موقعة مئات الضحايا المدنيين.
يذهب ساندرز وزملاؤه إلى أن الدعم العسكري لإسرائيل يضر بسمعة الولايات المتحدة عالميًا، فيما أشار السيناتور كريس فان هولين إلى أن هذا التمويل “يجب أن يُشترط بالالتزام بالقانون الدولي”.
ورغم ذلك، تزايدت عمليات نقل الأسلحة الأمريكية لتتجاوز السياسات والقوانين الأمريكية المعنية بتصدير الأسلحة، وهو ما دفع المسؤول عن مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية “جوش بول” إلى الاستقالة احتجاجًا على عمليات نقل الأسلحة بهذه الضخامة والسرعة في مخالفة واضحة لقانون استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، وكذلك لقانون السيناتور “باتريك ليهي” المعني بحقوق الإنسان، وقانون نقل الأسلحة التقليدية.
ما حذر منه ساندرز، تحدثت عنه بوضوح أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، التي حذرت الدول التي تواصل توريد الأسلحة لإسرائيل في هذا الوقت بأن تدرك أنها تخل بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية، وأنها عرضة لأن تصبح متواطئة في الإبادة الجماعية.
وطالبت جميع الدول التي تمتلك نفوذًا على إسرائيل بأن تتحرك فورًا، وخاصة أهم الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، من أجل إنهاء الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
الأسلحة القاتلة
ووفق ما أعلنته وزارة الجيش الإسرائيلي في يوليو الماضي، فإنها اشترت أسلحة أمريكية بـ11 مليار دولار عبر عمليات استحواذ دفاعية غير مسبوقة.
وتشمل تلك الأسلحة “سربًا من طائرات F-35، ومحركات دبابات، ومركبات مدرعة، ومركبات قتالية، إلى جانب آلاف الأطنان من المعدات العسكرية التي وصلت إلى إسرائيل عبر مئات الرحلات الجوية وعشرات الشحنات البحرية”.
ومن بين الأسلحة التي باعتها واشنطن إلى تل أبيب، ذخائر موجهة بدقة، وقنابل صغيرة القطر، وصواريخ خارقة للتحصينات، إلى جانب معدات عسكرية أخرى، حسب ما أخبر أشخاص على علم بالإحاطات صحيفة واشنطن بوست في مارس الماضي.
وأشار محللون مستقلون إلى أن العديد من الأسلحة المستخدمة في غزة يبدو أنها قنابل بوزن 1000 أو 2000 رطل (450-900 كيلوغرام) من نوع Mark 84، التي يمكن تجهيزها بمجموعات JDAM (ذخائر الهجوم المباشر المشترك) المصنعة من قبل بوينغ لتصبح أسلحة دقيقة.
ووفق المعطيات، وافقت إدارة بايدن على عقد أكثر من 100 صفقة سلاح مع إسرائيل منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”. وشملت الصفقات نحو 50 طائرة مقاتلة من طراز F-15، وطائرات بدون طيار من نوع Switchblade، بالإضافة إلى قذائف دبابات، ومعدات عسكرية، وقذائف مدفعية، وذخائر موجهة بدقة عالية.
كما سلمت واشنطن منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى يونيو الماضي 14 ألف قنبلة زنة 2000 رطل و6500 قنبلة زنة 500 رطل، وصواريخ خارقة للتحصينات. كما وقع الرئيس الأمريكي في أبريل الماضي حزمة مساعدات لإسرائيل تبلغ 2.4 مليار دولار.
تاريخ أسود
التمويل الأمريكي لتل أبيب خلال حرب غزة ليس استثنائيًا. فمنذ عام 1948، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية واقتصادية لإسرائيل بلغت 186 مليار دولار (310 مليارات دولار بعد احتساب التضخم)، حيث تُعد إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
ووفقًا للمؤشرات الرسمية الأمريكية، بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار.
بموجب نظام المساعدات الأمريكية، يمكن لإسرائيل استخدام 25% من المساعدات السنوية لتطوير صناعتها العسكرية، بالإضافة إلى الحصول على معدات عسكرية فائضة بموجب برنامج خاص. كل ذلك لضمان “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل في الشرق الأوسط.
الدعم الأمريكي العسكري لإسرائيل لم يقتصر على التسليح والدعم السياسي. فقد تواترت الأنباء عن مشاركة ضباط وجنود أمريكيين في الجهد الحربي الإسرائيلي في قطاع غزة. فإلى جانب المستشارين العسكريين، أرسلت واشنطن 2000 جندي من قوات “دلتا فورس” الأمريكية، التي تمتلك خبرة كبيرة في تحرير الأسرى والرهائن، وتنفيذ عمليات خاصة. كما قام البنتاغون بتحريك حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد”، التي تحمل خمسة آلاف جندي، بالإضافة إلى مجموعة من السفن البحرية إلى البحر المتوسط، لتقديم الدعم ومنع توسع الصراع في المنطقة.
وتحدث شهود عيان ومعتقلون فلسطينيون مفرج عنهم عن مشاهدتهم قوات أمريكية في قطاع غزة، وبعضهم اعتقل على أيدي عناصرها، ما يمثل انخراطًا مباشرًا في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولأن التاريخ لا ينسى، يبقى السؤال مشروعًا إلى متى تواصل أميركا تسليح إسرائيل؟ ومتى تجري العدالة الدولية على المتورطين في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين؟.