مدارك / هيئة التحرير
من خيمة إلى بيت متنقل، أو حظيرة أغنام، هكذا يبدأ المستوطنون الإسرائيليون بؤرهم الاستيطانية في الخليل جنوب الضفة الغربية، ومنها يبدؤون في التمدد والتوسع على لتتحول إلى مستوطنات تنطلق منها الاعتداءات ضد الفلسطينيين الذين يجبرون على الرحيل تحت وطأة التهديد بالموت ونتيجة مصادرة الأراضي والممتلكات.
وتشهد محافظة الخليل، تصاعدًا غير مسبوق في السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تكريس الاستيطان وتغيير الطابع الديمغرافي للمنطقة، حيث تتسارع وتيرة التهجير القسري، مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، مما يفاقم معاناة سكانها الفلسطينيين.
سياسات تغيير الواقع الديمغرافي في الخليل
وتنتهج دولة الاحتلال الإسرائيلي، أربع سياسات أساسية لتغيير الواقع الديمغرافي في الخليل، تتمثل في: تكثيف هدم المنشآت الفلسطينية، والاعتداء على الأراضي والمزارعين، وانتشار البؤر الاستيطانية والتوسع الاستيطاني.
هدم المنازل والمنشآت
نفذت سلطات الاحتلال 175 عملية هدم في الخليل خلال عام 2024، مستهدفة عشرات المنازل والمنشآت المدنية، ما تسبب بتهجير عشرات السكان وإجبارهم على الانتقال لأحياء جديدة في المحافظة أو خارجها؛ وفقًا لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وأقدم المستوطنون من خلال هجماتهم على تهجير 450 موطنًا قسرًا، موزعين على 10 تجمعات، في الخليل، واستولوا على أراضيهم وزرعوا بعضها. المشهد في مركز مدينة الخليل لا يقل صعوبة، حيث يوجد المستوطنون في قلب المدينة القديمة، والتي أجبر العديد من سكانها على المغادرة بسبب سياسة الإغلاق المستمرة، وإجراءات الاحتلال الأمنية المشددة على الفلسطينيين، بحجة توفير الأمن للمستوطنين.
انتشار البؤر الاستيطانية
واستغل المستوطنون تركيز الأضواء على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في فرض أمر واقع جديد في عموم الضفة الغربية. ففي الخليل أقاموا في عام 2024 14 بؤرة استيطانية جديدة، وهو ما يضعف عدد البؤر التي أقاموها في السنوات الثلاث السابقة، لينضموا إلى 19 بؤرة استيطانية مقامة على أراضيها من قبل عام 2006 ليرتفع العدد الإجمالي للبؤر في المحافظة إلى 47.
وتنوعت البؤر الجديدة بين بؤر رعوية وضع فيها مستوطنون بركسات لتربية المواشي والتي ساهمت بتدمير الكثير من محاصيل الفلسطينيين (القمح والشعير)، ومنها بؤر زراعية، أقدم مستوطنون على زراعتها ومن ضمن ذلك زراعة حقول العنب، حسب مشاهدات باحثي المركز.
وتبدأ البؤر الاستيطانية، بقيام مستوطنين بوضع خيام أو كرفانات وحظائر مواشي، ثم يوسعون انتشارهم في المنطقة على حساب الأراضي الفلسطينية، وينطلقون منها لتنفيذ الاعتداءات ضد الفلسطينيين ومنازلهم وممتلكاتهم، وفي خطوة أخيرة يسعون إلى شرعنتها بقرارات من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وبعضها يحول إلى مستوطنات لاحقا.
الاعتداءات على الأراضي والمزارعين
تسببت المستوطنات الإسرائيلية في الخليل بعزل آلاف الدونمات خلفها وفي محيطها، ومنعت التوسع الفلسطيني في البناء والزراعة في تلك الأراضي بما فيها تلك التي أقيمت عليها المستوطنات والبؤر الاستيطانية طوال السنوات الماضية وكان آخرها خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويقدر عدد سكان محافظة الخليل بنحو 842 ألف نسمة حتى 2024 وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في حين يقدر عدد المستوطنين بنحو 23326 يقيمون في 21 مستوطنة و47 بؤرة استيطانية.
التوسع الاستيطاني والبنية التحتية
عبر قرارات وإجراءات مختلفة تعمل قوات الاحتلال على مساعدة المستوطنين في الانتشار في المناطق المصنفة (سي) والقريبة من التجمعات الفلسطينية من خلال الإعلان عن الكثير من الأراضي الصخرية على أنها أراضي دولة مصادرة.
ووضعت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2024، يدها على 385 دونما من أراضي المدينة، بغرض توسعة الطريق الالتفافي 60. وجاء في قرار وضع اليد: أمر بشأن استملاك وأخذ حق التصرف – تسوية شارع 60) وبذلك تم مصادرة هذه الأراضي المزروعة بالأشجار لمصلحة خدمة تحرك المستوطنين إلى مدينة الخليل وصولا إلى مدينة بيت لحم، علمًا أن النسبة الكبيرة من تلك الأراضي مزروعة بأشجار العنب التي تعد مصدرًا رئيسيا للاقتصاد الزراعي في المدينة.
في قرية دير رازح، جنوب شرقي دورا، صادر المستوطنون أراضٍ جبلية، منعوا الفلسطينيين من الوصول إليها، وشقوا طرقًا زراعية لخدمة مخططاتهم الاستيطانية. ويبلغ عدد سكان القرية نحو 400 مواطن فلسطيني، جميعهم يعتاشون على الزراعة وتربية المواشي، والمنطقة التي استولى عليها المستوطنون هي المتنفس الوحيد لهم.
ومن أكثر المناطق التي سيطر عليها المستوطنين خلال عام 2024، هي منطقة خلة طه، جنوب مدينة دورا، جنوب غربي محافظة الخليل، وسيطروا على مساحات واسعة من أراضي المواطنين الجبلية وأقاموا كرافات متنقلة لهم وزرعوا نحو 400 دونم بأشتال العنب، وشقوا طريقًا بطول 1.5 كيلو وجرى تعبيده. وفي هذه المنطقة هدمت سلطات الاحتلال المساكن الفلسطينية ومنعت المواطنين من الوصول إلى أراضيهم.
وفي إطار شرعنة اعتداءات المستوطنين، صدقت حكومة الاحتلال في أكتوبر 2024 على مخطط لشرعنة البؤرة الاستيطانية “متسبيه لخيش/جفعات هبستان”، وربطها بمستوطنة “نيجهوت”، مما أدى إلى تكوين كتلة استيطانية تمتد على 811 دونمًا.
انعكاسات السياسات الاستيطانية
التهجير القسري: تسببت الاعتداءات الإسرائيلية في تهجير 450 فلسطينيًا من 10 تجمعات في الخليل خلال عام 2024.
خسائر اقتصادية: إغلاق المناطق الزراعية والتجارية أدى إلى تدمير المحاصيل الزراعية وخسائر فادحة للسكان.
تقسيم المحافظة: توسع المستوطنات والبؤر الاستيطانية حول الخليل أدى إلى عزل المدينة عن قراها الغربية وتحويلها إلى كانتونات محاصرة.
ما يحدث في الخليل ليس مجرد توسع استيطاني بل عملية ممنهجة لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي، مما يهدد وجود الفلسطينيين في أرضهم.