الأربعاء 22/يناير/2025

مجزرة في بيت الله .. حين قُطعت الصلاة بدماء المصلين

الجمعة 10-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

في فجر يومٍ كان يُفترض أن يبدأ بخشوعٍ وأمان، تحوّل مسجد الحسن في حي التفاح بمدينة غزة إلى ساحةٍ لمجزرة دامية ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي. بينما كان المصلون يتضرعون إلى الله في صلاة الفجر، باغتتهم طائرات الاحتلال بقنابل مدمرة أبادت الأرواح وأحالت بيت الله إلى ركام.

هذا الهجوم الوحشي، الذي استهدف عشرات المدنيين الأبرياء، يضاف إلى سلسلة الجرائم التي لم تستثنِ بيتًا أو مسجدًا أو ملجأً في قطاع غزة.

في تمام الساعة 4:45 من فجر يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2023، استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مسجد الحسن في منطقة السنافور بحي التفاح شرقي غزة، دون سابق إنذار. ألقت الطائرات قنابل ذات قدرة تدميرية عالية، لتدمر المسجد بالكامل فوق رؤوس المصلين الذين اصطفوا لأداء الصلاة.

أسفر القصف عن استشهاد أكثر من 15 مواطنًا، بينهم مصلون ونساء وأطفال، إضافة إلى إصابة آخرين بجروح بالغة. وقد تحولت أجساد الضحايا إلى أشلاء متناثرة، في حين بقيت جثث أخرى تحت الأنقاض.

تسبب الهجوم أيضًا في تدمير منازل مجاورة ومساحات مخصصة لورش العمل. أضحت المنطقة، التي كانت تعج بالحياة، حطامًا ممتدًا لا يحمل إلا ذاكرة الدماء والدمار.

فريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أجرى تحقيقًا ميدانيًا في موقع الهجوم. أظهرت التحقيقات غياب أي أهداف عسكرية في المسجد أو المنطقة المحيطة به وقت القصف.

أبرز النتائج التي توصل لها المرصد بعدما استخدم أدوات تحليل متقدمة، شملت صور الأقمار الصناعية، ومقاطع الفيديو، وشهادات سكان المنطقة، لتوثيق الجريمة بدقة”.”

تدمير شامل: المسجد انهار بالكامل باستثناء بقايا أحد المداخل والمئذنتين.

ضحايا بلا تمييز: شملت قائمة الضحايا نساءً، أطفالًا، ورجالًا كبارًا في السن.

غياب الإنذار: لم تصدر قوات الاحتلال أي تحذيرات قبل القصف.

شهادات الناجين: أفاد الشهود بعدم وجود أي نشاط للمقاومة في المنطقة، وأكدوا أن القصف كان استهدافًا مباشرًا للمصلين.

يؤكد المرصد الأورومتوسطي أن هذا الاستهداف يمثل جريمة حرب وانتهاكًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خاصة:

مبدأ التمييز: حيث استُهدف مدنيون ومصلون دون أي أهداف عسكرية مبررة.

مبدأ التناسب: حجم القوة المستخدمة كان مفرطًا وغير متناسب مع أي ذريعة عسكرية محتملة

عدم اتخاذ الاحتياطات: غياب التحذير المسبق يعكس تعمد الاحتلال لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.

يروي “عز الدين ماهر كريم”، ابن أحد ضحايا المجزرة: “دخلنا المسجد بعد القصف، ولم نجد أثرًا لأي من المصلين. الجميع كان مقطعًا إلى أشلاء. كان المشهد يفوق الوصف.”

لم استهداف المسجد استثناءً، بل جاء في سياق استهداف ممنهج للمساجد في قطاع غزة. فمنذ بداية العدوان الأخير في أكتوبر 2023، دُمّر بالكامل 823 مسجدًا، وتعرض 158 مسجدًا آخر لأضرار جسيمة.

وفي مقاطع فيديو مصورة نشرها جنود إسرائيليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وثقوا عمليات تدمير وتدنيس مساجد في سلوك وصفه فلسطينيون بأنه “استفزاز لمشاعر المسلمين وتحد للقوانين الدولية التي تمنع استهداف دور العبادة”.

وحتى المساجد التي نجت من التدمير تعمدت إسرائيل تدنيسها، وفي مقطع مصور نُشر 13 يونيو/ حزيران الماضي، ظهر جنود إسرائيليون حولوا مسجد معبر رفح بالمدينة جنوبي القطاع إلى مطعم وملهى.

وتطالب المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول باتفاقيات جنيف لعام 1977، بضرورة حماية الأعيان المدنية، بما فيها دور العبادة، من الهجمات العسكرية، وحظر استهدافها أو تدميرها أو الاستيلاء عليها دون مبرر عسكري.

ويشدد قرار مجلس الأمن 2347 لعام 2017، على أن تدمير الممتلكات الثقافية، بما فيها دور العبادة، جريمة حرب. ويحث الدول الأعضاء على منع استهدافها، وحمايتها بشكل فعّال، وضمان مساءلة المتورطين عن الإضرار بها.

يتساءل رواد بيوت الله وأقارب ضحايا المجازر: إلى متى تستمر إسرائيل في ممارسة الإرهاب وخرق الاتفاقات الحقوقية؟ ومتى يتحرك المجتمع الدولي لوقف استهداف المدنيين ودور العبادة، وضمان حق الفلسطينيين في العبادة والأمان؟.