الأربعاء 22/يناير/2025

هدم المنازل .. نهج إسرائيلي يهدد الوجود الفلسطيني في القدس

الأربعاء 15-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

بين الهدم بآليات الاحتلال، والهدم الذاتي القسري، تتشكل فصول مأساة الفلسطينيين مع مسلسل هدم منازلهم في مدينة القدس المحتلة ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة لتغيير الواقع الديمغرافي وطمس الهوية الثقافية للمدينة المقدسة.

وفيما كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب القتل والتدمير والإبادة الجماعية في قطاع غزة، كانت جرافاتها وقراراتها تغرس أنيابها في منازل المقدسيين وتدمرها تحت ذرائع أخرى، لتهجر أهلها وتشردهم.

وشهد عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا في عمليات هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية في القدس المحتلة، حيث وثقت مؤسسة أوروبيون لأجل القدس أكثر من 384 عملية هدم، دُمرت خلالها 181 وحدة سكنية، مما أدى إلى تشريد مئات عشرات الفلسطينية، أغلبها تضم نساء وأطفالًا. وتظهر هذه الأرقام حجم المأساة الإنسانية والكارثة الاجتماعية التي تعيشها المدينة.

وتنتهج سلطات الاحتلال سياسة هدم منازل المواطنين في إطار عملية تطهير عرقي ومحاولة تغيير الواقع الديمغرافي. هذه السياسة حسب الباحث المقدسي فخري أبو دياب تعد أحد أخطر أدوات التهجير القسري التي تستهدف الوجود الفلسطيني في المدينة، مؤكدًا أن تصعيد إسرائيل سياسة هدم المنازل والمنشآت يهدف لطرد السكان وتقليص أعداد المقدسيين، مع انتقال الاحتلال إلى الهدم الجماعي لأحياء بأكملها لاستبدال سكانها الفلسطينيين بمستوطنين.

لا يقتصر أثر السياسة الإسرائيلية على تدمير المباني فحسب، بل يمتد إلى تفكيك النسيج الاجتماعي، وطمس الهوية الثقافية والدينية للفلسطينيين، وإجبارهم على الهجرة قسرًا، في إطار مشروع إسرائيلي طويل الأمد لتهويد المدينة وفرض واقع ديمغرافي جديد.

وتتعد ذرائع الهدم التي تنتهجها قوات الاحتلال ما بين إجراءات عقاب جماعي، وتوسع استيطاني وحجة عدم الترخيص.

الأكثر قسوة أن تجبر قوات الاحتلال الفلسطينيين على هدم منازلهم بأيديهم؛ لتجنب دفع تكلفة الهدم حال نفذتها آليات البلدية الإسرائيلية. من بين عمليات الهدم في المدينة 91 عمليات هدم ذاتي قسري، و259 عملية هدم نفذتها آليات الاحتلال، بالإضافة إلى 29 عملية تجريف، وفق معطيات نشرتها أوروبيون لأجل القدس.

في ديسمبر الماضي، اضطر المقدسيان محمود عقيل وخضر شقير لهدم منزليهما ذاتيا، وذلك لتجنب غرامات باهظة قد تفرضها عليهما سلطات الاحتلال في حال نفذت هي عملية الهدم. يقول عقيل إنه تلقى من سلطات الاحتلال قبل نحو سنتين مخالفة على بناء منزله في بلدة سلوان الذي لا تتعدى مساحته 60 مترا مربعا، ويسكنه مع وزوجته وطفلي، وقبل الهدم بـ 12 يوما استلم قرار هدم، مضيفا “نهدم المنزل ذاتيا حتى لا نخرّب باقي المنزل الموجود، قمنا بالهدم عن طريق القص والهدم اليدوي”.

أما شقيرات فلا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عن حجم الأسى والقهر الذي شعر به وهو يهدم منزله الذي لا تتعدى مساحته 50 مترا مربعا، ويعيش فيه مع زوجته وأبنائه الستة. وقال شقيرات للمركز “جاءت البلدية وسلمتنا أمر هدم، وأصرت على هدم المنزل وإزالته نهائيا وهذا شيء مكلف جدا”.

ووفق تقرير لمحافظة القدس فإن سلطات الاحتلال نفذت 404 عمليات هدم في القدس منذ أن صعد الاحتلال إجراءاته في القدس بالتزامن مع بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي

من بين أبرز عمليات الهدم التي نفذها الاحتلال عام 2024 ما حدث في أواخره، ففي ديسمبر الماضي، هدمت سلطات الاحتلال 9 منازل في حي البستان ببلدة سلوان، لتشريد 31 فردًا بينهم 18 طفلًا. وأكد أحد سكان الحي أن عمليات الهدم جاءت لتنفيذ مشروع استيطاني يُعرف باسم “حديقة الملك التوراتية”.

وشهدت بلدة عناتا شمال شرقي القدس في 18 ديسمبر الماضي، عملية هدم أخرى استهدفت 6 منازل بدوية، مما أدى إلى تشريد 22 فردًا، معظمهم أطفال ونساء.

تتذرع إسرائيل بعدم وجود تراخيص بناء لتنفيذ عمليات الهدم، رغم أن تراخيص البناء تُمنح بنسبة تقل عن 2% من الطلبات المقدمة من الفلسطينيين. وتُعد هذه الذريعة جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف -وفق الخبراء- إلى:

تهويد المدينة: من خلال إقامة مشاريع استيطانية تحاصر الأحياء الفلسطينية.

التغيير الديمغرافي: عبر تقليص عدد الفلسطينيين وزيادة أعداد المستوطنين.

فرض الأمر الواقع: من خلال إزالة الأحياء الفلسطينية بالكامل، مثلما حدث في حي البستان.

تروي عائلة عويضة في حي بئر أيوب قصة مأساوية عن إجبارها على هدم منازلها ذاتيًا. يقول أكرم صالح عويضة، أحد أفراد العائلة، إن البلدية فرضت عليهم غرامة بقيمة 300 ألف شيكل إذا لم يهدموا المنازل بأنفسهم. تعيش العائلة الآن في ظروف قاسية وسط الشتاء البارد، بعد أن فقدت مساكنها التي كانت تأوي 43 فردًا، بينهم أطفال ونساء.

يشعر المقدسيون أن الاحتلال يستغل انشغال العالم بالحرب الدائرة في غزة منذ 15 شهرًا لتسريع مخططاته الاستيطانية في القدس. فخلال هذه الفترة، وإلى جانب هدم منازل الفلسطينيين صعدت سلطات الاحتلال من عمليات الاستيلاء على الأراضي. ففي 7 يناير 2025، أعلنت إسرائيل “استملاك” 262 دونمًا من أراضي القدس لتوسيع شارع استيطاني، في خطوة تعزز عزلة الأحياء الفلسطينية، في مقابل كل ذلك أطلقت عشرات المشاريع الاستيطانية بما فيها بناء آلاف الوحدات السكنية للمستوطنين وإقامة بؤر جديدة.

يرحل عام 2024، لكنه يترك خلفه بصمة دامية من عمليات الهدم الإسرائيلية في القدس المحتلة، شاهدة على حجم التحديات الوجودية التي يواجهها الفلسطينيون في صراعهم للحفاظ على هويتهم ووجودهم في المدينة المقدسة.