الأربعاء 22/يناير/2025

الخرائط الإسرائيلية .. تزوير للتاريخ وأداة لتمرير الأطماع التوسعية

الإثنين 20-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

الخرائط ليست مجرد خطوط على الورق؛ إنما أدوات تُستخدم لترسيم التاريخ، ورسم المستقبل، وتثبيت الأيديولوجيات. بالنسبة لإسرائيل، تجاوزت الخرائط دورها الجغرافي التقليدي؛ لتصبح أداة استعمارية تهدف إلى إعادة صياغة المنطقة بما يخدم أطماعها التوسعية.

هذا ما يمكن استنتاجه من نشر إسرائيل مؤخرًا على حساب رسمي لوزارة خارجيتها على منصة X، خريطة تزعم أنها “تاريخية” تشمل أراضي عربية في فلسطين المحتلة، الأردن، لبنان، وسوريا، في غمرة حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

الخريطة التي أثارت موجة من الغضب والإدانات العربية والدولية – بنظر الخبراء- ليست مجرد استفزاز، بل هي جزء من سياسة إسرائيلية تحمل طموحات تمتد إلى ما وراء الحدود التي تسيطر عليها بالقوة منذ عام 1948، بما يدلل أن هذه الخرائط ليست مجرد رسم تخيلي، بل خارطة طريق لتحولات جيوسياسية خطيرة.

يشرح الخبير الجغرافي الفلسطيني، خليل تفكجي، لمدارك كيف تُستخدم الخرائط لتأكيد رواية تاريخية مزيفة تخدم الأيديولوجية الصهيونية. يستند ذلك إلى مزاعم دينية لتبرير السيطرة على أراضٍ في السامرة، القدس، والجولان. وتكشف ممارسات الاحتلال تطبيقًا فعليًا لبعض الخرائط القديمة التي ظهرت في الدعاية الإسرائيلية، مثل استيلائها على قمم جبل الشيخ وأجزاء من القنيطرة.

ويوضح أن الخارطة الإسرائيلية الأخيرة تاريخية من ٨٠٠ عام قبل الميلاد منبها إلى أنه على أرض الواقع تم تطبيق تلك الخارطة في اتفاقية وادي العربة. على سبيل المثال كل منطقة الأغوار وحتى غرب عمان لا يمكن للطيران الأردني أن يحوم فيها.

يعزو نشر الخرائط في الوقت الحالي لما تراه إسرائيل بأن الظروف الدولية مواتية لها؛ فالولايات المتحدة الأميركية تدعمها من النواحي المالية والسياسية وفي كل ما يتعلق بهذا الموضوع، بالإضافة لدعم اوروبا. وفوق هذا وذاك وجود إدارة أميركية قادمة بقيادة ترامب مؤيدة للجانب الاسرائيلي.

لا يمكن الفصل بين هذه الخرائط وحديث اليمين الاسرائيلي المتطرف عن فرض السيادة اليهودية على الضفة الغربية، وفق تفكجي، الذي يشير إلى ما يجري الآن في جنوب لبنان ومقتل باحث تاريخي توراتي قبل أشهر عندما كان يبحث عن آثار يهودية في الجنوب، واحتلال جبل الشيخ، مؤكدًا أن جزءا من الجولان ضمن المشروع الإسرائيلي.

ويتفق الخبراء أن الخريطة التي نُشرت تتماشى مع التوجه العام لحكومة نتنياهو واليمين المتطرف في إسرائيل، وفي هذا الصدد يبرز تصريح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المعروف بتصريحاته العنصرية، أنه يعمل على تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بحلول عام 2025، في إطار مسعى إلى ضم الضفة الغربية بالكامل، وإقامة مستوطنات في قطاع غزة، تمهيدًا لتحقيق ما يسمى “إسرائيل الكبرى”.

توضح الأكاديمية المصرية د. إيريني سعيد أن الخرائط الإسرائيلية ليست معترفًا بها دوليًّا لأنها تتجاهل القوانين والقرارات الأممية مثل قرار 181 و194. إسرائيل تستخدم هذه الخرائط كأداة استعمارية لتعزيز فكرة “إسرائيل الكبرى” عبر التوسع والتهويد وفرض أمر واقع يخدم رؤيتها، وفق تأكيد سعيد لمدارك.

وتذكر الأكاديمية سعيد أنه لم يحدث أن اعترفت الأمم المتحدة أو أيا من مؤسساتها بحدود لإسرائيل، وهو ما يستحيل معه إنشاء أو إصدار أي خريطة تخدم على ذلك، فحدود إسرائيل متغيرة ولم يصيغها سوي الاحتلال وجرائمه، تحديدا الفكر الصهيوني وقناعاته ومفادها أن حدود إسرائيل سيحدّدها أبناؤها، كما قال بن جوريون في إشارة إلي الاستيطان والتوسع غير الشرعي.

وتوضح أنه منذ أن أعلنت الأمم المتحدة عام 1947 قرار إقامة الدولتين، ثم في العام التالي عندما أعلن اليهود إقامة إسرائيل، وبعدها جاءت الطفرة عام 1967 من الكيان الإسرائيلي الذي استولى على أكثر منطقة تابعة لأكثر من دولة عربية، والأقسي وقتها ضمه للضفة بما فيها شرقي القدس وغزة، ومن وقتها اعتادت إسرائيل صناعة خرائط مفبركة لا هي معتمدة من المجتمع الدولي ولا تخضع لأعراف القانون الدولي.

التحالف الدولي ودعم الأطماع الإسرائيلية
أمّا أستاذة التاريخ الكاتب د. نائلة الوعري فتشير إلى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يسهم في إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفق مصالح إسرائيل. فعلى سبيل المثال، صفقة القرن واتفاقيات التطبيع الأخيرة تعزز من سيطرة إسرائيل وتوسيعها.

الدلالات السياسية لنشر الخرائط:

يتفق الخبراء، على ثلاث دلالات لنشر الخريطة الإسرائيلية في الوقت الحالي:

تحدي القانون الدولي: إسرائيل لا تعترف بالقرارات الأممية وتفرض سياساتها بالقوة.

تعميق الأطماع التوسعية: الخرائط تعكس طموح اليمين الإسرائيلي لضم الضفة الغربية بالكامل وتهويدها.

تهديد السيادة العربية: ضعف النظام العربي الحالي جعل المنطقة أكثر عرضة لتوسع إسرائيل.

غياب الاستراتيجية الفلسطينية

الباحث في مركز التاريخ الشفوي بالجامعة الإسلامية د. محمد المصري، يشير إلى أن قادة “إسرائيل” الحاليين، لم يتوقفوا عن عرض خرائط توضح بشكل جلي المنظور الاستعماري لدولة الاحتلال، فعندما حضر بتسليل سموترتش مؤتمرا في باريس في ١٩مارس٢٠٢٣م وضع شعار منظمة الارجون (إيتسل) والتي تضم كامل أراضي فلسطين الانتدابية والمملكة الأردنية، كما كرر هذا الفعل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطابة بالأمم المتحدة في ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٤، حيث وعرض خريطة لا توجد فيها الضفة الغربية وقطاع غزة.

المؤلم – وفق المصري- هو غياب رؤية فلسطينية واضحة لمواجهة الخرائط الإسرائيلية التي توثق أطماع الاحتلال، مؤكدًا أن القيادة الفلسطينية لم تستغل التحذيرات المتكررة للتصدي لهذه المخاطر.

ردود الفعل العربية والدولية
قوبلت الخطوة الإسرائيلية بموجة واسعة من الإدانات الرسمية. السعودية، الأردن، الإمارات، قطر، الجامعة العربية، والبرلمان العربي، والسلطة الفلسطينية، وكذلك القوى الأساسية وفي مقدمتها حركة حماس، حيث أكدوا جميعا رفضهم لهذه السياسات، معتبرين أنها تشكل اعتداءً صارخًا على سيادة الدول وانتهاكًا للقانون الدولي.

الخرائط الإسرائيلية ليست مجرد توثيق جغرافي بل استراتيجية سياسية تسعى لتغيير ملامح المنطقة بما يتناسب مع أطماع إسرائيل التوسعية. ومع غياب رد فعل عربي ودولي قوي، تبقى هذه الخرائط تهديدًا خطيرًا يحتاج إلى مواجهة شاملة تقوم على وعي سياسي وشعبي مقاوم.