مدارك / هيئة التحرير
من أدوات تصوير ومراقبة مدنية إلى أسلحة فتاكة تُستخدم في استهداف المدنيين، حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الطائرات المسيّرة الصغيرة “كواد كابتر” إلى أدوات للقتل والترويع، مما جعلها رمزًا للرعب والموت الذي يلاحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
التحليق المستمر وأشكال الاستخدام
تتوالى الأخبار من قطاع غزة على مدار الساعة عن تحليق طائرات الكواد كابتر الإسرائيلية. لا تقتصر مهماتها على إطلاق النار أو إلقاء القنابل؛ بل تتعدى ذلك إلى إصدار أوامر التهجير، والترهيب عبر أصواتها المزعجة في ساعات الليل، مما يفاقم معاناة السكان المدنيين. هذه الطائرات، التي تُصنعها شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، تتميز بصغر حجمها (لا يتجاوز قطرها مترًا واحدًا) وسهولة برمجتها وتسييرها إلكترونيًا.
تزود قوات الاحتلال هذه الطائرات بكاميرات عالية الجودة وأدوات تنصت دقيقة، إلى جانب سلاح رشاش وحامل قنابل؛ ما يمنحها قدرة على تنفيذ مهام تجسسية وعسكرية متعددة، من إطلاق النار إلى حمل القنابل. علاوة على ذلك، تم تطوير نسخ انتحارية منها لتُستخدم في عمليات استهداف مباشرة.
أنواع وتطور استخدام
تستخدم إسرائيل أنواعًا متعددة من طائرات “كواد كابتر”، منها:
طائرات مراقبة وتوجيه: تُستخدم لجمع المعلومات من المناطق المكتظة، ورصد تحركات المقاومين الفلسطينيين، وتوجيه الأوامر للفلسطينيين عن بعد.
طائرات هجومية: مزودة بعبوات ناسفة دقيقة أو قنابل صغيرة لاستهداف الأشخاص بدقة، وكذلك أسلحة رشاشة، وغالبًا ما تُستخدم في القتل العمد.
التطور التكنولوجي لهذه الطائرات جعلها أصغر حجمًا وأخف وزنًا، مع قدرات محسّنة على التحليق لمسافات أطول. كما تم تزويد بعضها بكاميرات حرارية، ما يجعلها قادرة على العمل ليلاً بفعالية كبيرة.
وأدت طائرات “كواد كابتر” دورًا مزدوجًا في الحرب الإسرائيلية على غزة، بين جمع المعلومات وتنفيذ الاغتيالات. وجودها في سماء القطاع بات هاجسًا للفلسطينيين، ومن أبرز أدوارها:
إضعاف حركة المقاومة: وفرت الطائرات معلومات دقيقة عن مواقع أفراد المقاومة وأنفاقهم.
تنفيذ اغتيالات ميدانية: تم توثيق عمليات اغتيال باستخدام هذه الطائرات، حيث تُطلق قذائف صغيرة تقتل الهدف دون إحداث أضرار جانبية كبيرة.
ترويع المدنيين: التحليق المنخفض والمستمر لهذه الطائرات في المناطق السكنية خلق حالة من الخوف والضغط النفسي. خلال الحرب الحالية. كما أن الاحتلال استخدم هذه الطائرات لإصدار أصوات مرعبة أثناء التحليق، مما يزيد من حالة الرعب بين السكان.
توجيه الأوامر والمتابعة: تستخدمها قوات الاحتلال لتوجيه الأوامر للمدنيين في مراكز النزوح والمستشفيات، وكذلك استخدامها في التسلل للمنازل ومراقبة سكانها، ومرافقة المعتقلين الذين يستخدمون كدروع بشرية.
شهادات موثقة عن استخدام الطائرات المسيّرة
توالت الشهادات عن توظيف إسرائيل لطائرات الكواد كابتر ضد الفلسطينيين، ففي 21 مايو/أيار 2024، أطلقت طائرة كواد كابتر النار على الفلسطينية سلاح محمد أحمد عودة (52 عامًا): أثناء محاولتها النزوح من مخيم جباليا، رغم رفعها الراية البيضاء. أُصيبت في رأسها مباشرة وسقطت أمام عائلتها شهيدة، وتعرض باقي أفراد الأسرة لقصف مدفعي كثيف أجبرهم على التراجع، دون التمكن من انتشال جثمانها.
واستهدفت طائرة كواد كابتر فتحي حسان ياسين (70 عامًا): في 10 مايو/أيار 2024، أثناء محاولته النزوح من حي الزيتون في مدينة غزة. كان يحمل فراشه وغطاءه بحثًا عن مكان آمن، إلا أن الطائرة أطلقت النار عليه وقتلته على الفور.
أما إبراهيم عزيز عطا الله فاستشهد في 7 مايو/أيار 2024، نتيجة إلقاء طائرة كواد كابتر قنبلة عليه أثناء وجوده في حي الزيتون. كان يبحث عن مواد قابلة للبيع لإعالة أسرته عندما استُهدف.
أدوات القتل المتعددة للطائرات المسيّرة
وفق تحقيقات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يستخدم جيش الاحتلال أنظمة قتالية متطورة مثل نظام “Smash Dragon”، الذي يمكن تركيبه على طائرات “Matrice 600” و“Thor”. هذه الطائرات مصممة لتنفيذ مهام متعددة، من الرصد والتجسس إلى القتل المباشر، عبر إطلاق النار أو إلقاء القنابل.
كما وثّق المرصد استخدام هذه الطائرات لإشعال الحرائق في المنازل والمنشآت المدنية. في إحدى الحالات، استهدفت طائرة كواد كابتر مستشفى كمال عدوان شمال القطاع، مما أدى إلى تدمير خزانات المياه والمولدات الكهربائية.
في فخ المقاومة
واجه الفلسطينيون هذه الطائرات بوسائل متعددة، ومن أبرز وسائل المواجهة:
إطلاق النار المباشر: حاول المقاومون استهداف الطائرات باستخدام الأسلحة الرشاشة، وتمكنوا فعلا من إسقاط عدد منها.
التشويش الإلكتروني: تمكن مقاومون من التشويش أو السيطرة على هذه الطائرات من خلال برامج إلكترونية وحاسوبية.
محاولات الإسقاط اليدوي: لجأ بعض الشبان إلى محاولات إسقاط الطائرات باستخدام أدوات بدائية مثل الحجارة أو شبكات الصيد.
ورغم الجهود المبذولة، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في صغر حجم هذه الطائرات وسرعتها، ما يجعل التصدي لها أمرًا ليس سهلاً.
انتهاك القانون الدولي الإنساني
على الرغم من أن الطائرات المسيّرة ليست محظورة دوليًا، فإن استخدامها يجب أن يخضع لقواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة مبادئ التمييز والتناسب، وفق الخبراء الحقوقيين. ومع ذلك، توضح الوقائع الميدانية أن جيش الاحتلال يستخدم هذه الطائرات بشكل منهجي لاستهداف المدنيين، بما يتنافى مع القوانين الدولية. تُظهر الشهادات الموثقة أن معظم الاستهدافات كانت في مناطق مفتوحة يسهل فيها التمييز بين المدنيين والمقاتلين.
الأثر النفسي والاجتماعي
لا يقتصر أثر الطائرات المسيّرة على القتل الجسدي فقط؛ بل يمتد إلى ترويع السكان وإحداث صدمة نفسية دائمة. يحكي النازح خالد ناصر كيف لاحقته طائرة كواد كابتر أثناء محاولته الفرار من شمال القطاع. يؤكد ناصر أن هذه الطائرات كانت الأخطر، حيث أطلقت النار على النازحين وأصابتهم داخل منازلهم عبر النوافذ.
تتحول الطائرات المسيّرة في يد الاحتلال الإسرائيلي إلى وسيلة للإبادة الجماعية والترهيب النفسي، في حين يحاول الفلسطينيون تطوير وسائلهم لمواجهة هذه التقنية المتطورة، رغم التحديات الكبيرة. ومع غياب ضغط دولي حقيقي لوقف جرائم إسرائيل، تستمر طائراتها المختلفة في رسم مشهد دموي في سماء غزة.