الأربعاء 22/يناير/2025

ملاحقة جنود إسرائيل .. خطوات دولية لتعزيز المساءلة

الأربعاء 22-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

في ذروة التعبير عن العنجهية، نشر جنود الاحتلال الإسرائيلي مقاطع فيديو توثق مشاركتهم في جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وسرعان ما تحولت هذه المقاطع إلى كابوس يطاردهم من دولة إلى أخرى عبر ملاحقات قضائية.

ويواجه العشرات من جنود وضباط الاحتلال الإسرائيلي ملاحقات قضائية في بعض دول العالم بسبب ارتكابهم جرائم حرب وإبادة ضد الفلسطينيين، في إطار مساعٍ مختلفة على طريق إخضاع الاحتلال للمساءلة القانونية.

واضطر الجندي الإسرائيلي يوفال فيغداني لقطع إجازته في البرازيل على عجل ويفر صباح الأحد، بعد أن أمرت المحكمة الفيدرالية في البلاد الشرطة بفتح تحقيق في جرائم حرب ضده، وفقاً لموقع يسرائيل هيوم.

وفي الأسبوع الماضي، قدمت مؤسسة “هند رجب، شكوى جنائية تتهم فيها الجندي فيغداني، الذي كان في البرازيل كسائح، بالتورط في عمليات الهدم المنهجية التي ينفذها الاحتلال لمنازل المدنيين في غزة.

ومؤسسة هند رجب (HRF)، أنشُئت في بلجيكا “تكريماً لذكرى الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 سنوات) التي قتلها الاحتلال الإسرائيلي مع عدد من أفراد أسرتها في مدينة غزة، في يناير 2024، عندما كانوا يحاولون النجاة بأنفسهم من القصف”، وتصف نفسها أنها “تدافع عن العدالة للضحايا الفلسطينيين”.

وفي بيان لها، اتهمت المؤسسة دولة الاحتلال الإسرائيلي بتدبير هربه بهدف عرقلة العدالة، مضيفة أن “هناك أيضا مؤشرات على تدمير الأدلة”. وقدمت المنظمة الحقوقية أكثر من 500 صفحة من الأدلة إلى المحكمة، بما في ذلك لقطات فيديو، وبيانات تحديد الموقع الجغرافي، وصور تظهر المشتبه به وهو يزرع المتفجرات ويشارك في تدمير أحياء بأكملها.

ولم يكن هذا الجندي الوحيد على قائمة الملاحقة، فقد تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من اتساع دائرة المساءلة في دول مختلفة، وفتح تحقيقات متزايدة بحق جنود إسرائيليين متورطين في ارتكاب جرائم في قطاع غزة، ما يكشف أبعادا جديدة للصراع القانوني والسياسي الذي تواجهه إسرائيل على الساحة الدولية.

هيئة البث الإسرائيلية، أقرت أن محاولات ملاحقة جنود الجيش الإسرائيلي قضائيًا في الخارج شهدت ارتفاعًا ملحوظًا، مبينة أن نحو 50 شكوى رُفعت ضد جنود الاحتياط في الجيش، وفتحت تحقيقات في 10 دول حتى الآن، دون تسجيل أي حالات اعتقال.

ووفق الهيئة؛ فإن التعامل مع القضايا يجري فرديا، خاصة تلك التي تخص الجنود مزدوجي الجنسية، مثل الحالات المرتبطة بجنوب أفريقيا، أو الجنود الذين تشير معلومات استخباراتية إلى وجود نوايا لاستهدافهم.

وتشير صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن مؤسسة هند رجب تقدمت بطلبات اعتقال لألف جندي إسرائيلي من مزدوجي الجنسية في 8 دول، دون أن تعلن أسماءهم حتى لا يكونوا على حذر من الاعتقال.

ونقلت صحيفة هآرتس أن الجيش الإسرائيلي حذر جنود الاحتياط المتواجدين في الخارج من احتمالية تعرضهم للاعتقال بسبب مشاركتهم في الحرب على غزة.

أمام هذه التطورات عقد وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر اجتماعًا لفريق وزاري لمناقشة “سبل حماية الإسرائيليين واليهود في الخارج، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت. خلال الاجتماع، دعا ساعر إلى وضع إجراءات فورية وواضحة للتعامل مع هذه القضايا، مع توجيه الجيش بتوعية الجنود بعدم نشر مواد توثيقية لما يرتكبونها من جرائم. كما شدد على مراقبة المنظمات الدولية التي تعمل على ملاحقة الجنود الإسرائيليين قانونيًا.

زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد وصف حادثة تهريب الجندي من البرازيل بأنها “فشل دبلوماسي” للحكومة، وانتقد تقاعسها عن حماية الجنود قانونيًا، متسائلًا عن كيفية تحول الفلسطينيين إلى قوة أكثر تأثيرًا على الساحة الدولية مقارنة بإسرائيل.

وكشفت تقارير حقوقية عن جمع معلومات تتعلق بجرائم ارتكبها جنود إسرائيليون في غزة، بما في ذلك نشر مقاطع مصورة توثق هذه الانتهاكات، بهدف دفع السلطات المحلية في الدول المختلفة لاعتقالهم.

وأفادت صحيفة إسرائيل اليوم أن أمهات جنود إسرائيليين بعثن برسالة حادة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، طالبن فيها بتوفير الحماية القانونية لأبنائهن، محذرين من تبعات المحاكم الدولية، خاصة مع تراجع استقلالية القضاء الإسرائيلي.

ووصف الدكتور وليام شاباس أستاذ القانون الدولي الرئيس السابق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الملاحقات التي تطارد الجنود والضباط الإسرائيليين بأنها “تطور إيجابي وجيد”، ورجح أن تستمر هذه الملاحقات حتى في الدول الصديقة لإسرائيل، مستبعدا إمكانية نجاح دولة الاحتلال في حماية جنودها المتورطين في جرائم حرب وإبادة، مشيرًا إلى افتقار النظام القضائي الإسرائيلي للمصداقية.

في السياق ذاته، أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أن الملاحقات الدولية تشكل هاجسًا لإسرائيل، لما تحمله من تداعيات على ملفات المساءلة وغياب العدالة في القضاء الإسرائيلي، ومسألة فشل الحكومة في الدفاع عن هؤلاء الجنود.

كما يتخوف الإسرائيليون -وفقا لمصطفى- من أن الملاحقات القضائية لن تطال الجنود، بل قد تطال ضباطا وسياسيين، مشيرا إلى أن هناك مذكرات سرية لم تكشف عنها المحكمة الجنائية الدولية.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الجيش الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ينبه الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن النقاش الداخلي في إسرائيل لا يتعلق بالمسألة الأخلاقية، أي بشأن المجازر وحرب الإبادة التي يرتكبها الجنود والضباط في غزة، وإنما يدور النقاش حول كيفية الدفاع عن هؤلاء الجنود.

وبرأي الكاتب والباحث في الشؤون الدولية حسام شاكر، فإن الملاحقات التي تنفذها بعض الدول ضد جنود الاحتلال ستؤثر عليه بشكل كبير، عادًّا أن ما فعلته البرازيل وقبلها سريلانكا بداية مرحلة جديدة بالنسبة للاحتلال ومؤشر على نهاية مشروعه.

ويشير إلى أن منظمات حقوقية تقوم بتحركات وشكلت أطر عمل تختص برصد انتهاكات جنود وضباط الاحتلال وتوثيق أسمائهم وتعقب تحركاتهم حول العالم، مشيرا إلى أن ملف الملاحقات سيبقى مفتوحا، ولن ينجو الاحتلال وجنوده.

وعلى وقع استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023، أعلنت منظمات حقوقية في العديد من البلدان أنها تجمع معلومات عن جنود إسرائيليين نشروا مقاطع مصورة لأنفسهم وهم يرتكبون جرائم في غزة، لمطالبة السلطات المحلية باعتقالهم.

ووفق تقارير إسرائيلية؛ فإن الخطر على الجنود يتركز في دول تنتهج “خطاً معادياً” لإسرائيل؛ تشمل أيرلندا، تليها البرازيل، إسبانيا، بلجيكا، وجنوب أفريقيا، مشيرة إلى أنه فُتحت مسارات قضائية ضد جنود الجيش في الدول التالية: المغرب، النرويج، بلجيكا، قبرص، سيريلنكا، هولندا، البرازيل، تايلاند، أيرلندا، صربيا، فرنسا، وجنوب أفريقيا.

وفي هولندا، وفرنسا على سبيل المثال، كانت ثمة محاولة لفتح مسار قضائي ضد جنود الجيش الذين يحملون جنسية ثنائية، ولكن طلبات كهذه رفضت. وفي هولندا حتّى عُلقت ملصقات تحمل صور جنود إسرائيليون عادوا إلى بلدهم الثاني، وخط على هذه الملصقات عبارة “مطلوبون”.

ففي 17 ديسمبر 2024، تقدمت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) ومنظماتها الأعضاء الفلسطينية والفرنسية: مؤسسة الحق، مركز الميزان، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، بشكوى قانونية لدى وحدة جرائم الحرب في محكمة باريس، ضد الجندي الفرنسي الإسرائيلي يونيل أونونا، الذي خدم في غزة خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وتعذيب، بالإضافة إلى التواطؤ في هذه الجرائم ضد الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.

ووفق الفيدرالية؛ فإن الدلائل تُشير إلى أن مئات من الجنود الإسرائيليين المتورطين في جرائم دولية في قطاع غزة يحملون جنسية مزدوجة ( فرنسية – إسرائيلية)، وعلى الرغم من ذلك، لم تبادر السلطات الفرنسية حتى الآن بفتح أي تحقيق رسمي في هذا الصدد. وعليه، تطالب مؤسساتنا بفتح تحقيق فوري ضد أحد هؤلاء الجنود، ويدعى يونيل أونونا. “

ومع الإيمان المطلق بغياب المساءلة وتواطؤ نظام القضاء الإسرائيلي، يبقى القضاء الدولي أداة حيوية للضحايا والمنظمات الحقوقية في السعي لتحقيق العدالة. وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ترسل رسالة واضحة: جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، والمحاسبة مطروحة على الطاولة، ومهما طال الزمن سيدفع المجرمون الثمن.