مدارك / هيئة التحرير
من بين أنقاض المنازل المدمَّرة، ومن قلب الحصار والتجويع، كتب القاص والروائي يسري الغول نصوص كتابه “شهادات على جدران حبيبتي غزة”، ليجسد ملحمة الصمود الفلسطيني في وجه الإبادة الإسرائيلية.
صدر الكتاب حديثًا عن دار فضاءات في الأردن، ليضاف إلى سلسلة الأعمال التي توثق الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولكن هذه المرة بقلم شاهد عيان عاش المعاناة يومًا بيوم، وقرر أن ينقلها للعالم من قلب الحدث.
هدف الكتابة
في حديثه عن الكتاب يقول الغول: “الكتاب كان يحمل في البداية اسم سيوف صدئة: شهادات حول الإبادة، لكن تم تغييره بناءً على رغبة الناشر لتضمين اسم غزة في العنوان”.
ويوضح أن الكتاب يتناول شهادات حقيقية تسلط الضوء على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، معتمدًا أسلوبًا يجمع بين التقريرية والعمل الأدبي. وأضاف: “سجلتُ هذه الشهادات من شمال غزة، وهي قصص صحفية تمزج بين التوثيق الواقعي واللمسة الأدبية”.
الغول يعد الكتابة فعل مقاومة، مؤكدًا أن هدفه الأساسي هو توثيق السردية الفلسطينية ونقلها إلى العالم. يقول: “لا يمكن أن نصمت أمام جرائم الاحتلال، والكتابة هي إحدى أدوات النضال التي تعكس معاناة الفلسطينيين. علينا إيصال صوتنا للعالم ليعرف أن الفلسطيني حي وحر ويناضل من أجل التحرير”.
رسالة الكتاب وفارق التوثيق
وعمّا يتميّز به الكتاب عن أعماله السابقة، يجيب الغول: “هذا الكتاب يختلف تمامًا. أعمالي السابقة كانت قصصية وروائية، أما هذا الكتاب فهو شهادات مباشرة وحقائق توثق جرائم الإبادة التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة”.
وبيّن أن الكتاب يتناول قصصًا حقيقية لأشخاص عاشوا المعاناة، مثل رنا الحصري التي فقدت زوجها وأطفالها، وريم المغربي التي اختطف الاحتلال زوجها وأبناؤها أمام عينيها.
الكتابة من القلب
يرى الغول أن الكتابة التي تنبع من قلب الألم والمعاناة هي الأكثر تأثيرًا. يقول: “الكتابة التي تخرج من غزة تحمل وجعًا حقيقيًا يصل إلى قلب القارئ العربي والعالمي، ولكن مع الأسف، نفتقر إلى حركة ترجمة فاعلة لنقل هذه المعاناة إلى لغات أخرى”. وأضاف: “الكتابة التي لا تحرض على الانتفاضة ومقاومة الاستعمار هي كتابة فاشلة، فالكلمات يجب أن تكون صرخة في وجه الطغيان”.
التحديات والصمود
رغم تدمير الاحتلال لبيتَي الغول ومكتبته، إلا أن ذلك لم يثنه عن التمسك بقضيته وقلمه. يقول: “الصمود هنا ليس خيارًا، بل هو فريضة شرعية. أنا الكاتب الوحيد المعروف في شمال غزة، ولن أخون قلمي أو رسالتي الوطنية والإنسانية”.
عاش الغول لحظات الحرب يومًا بيوم، يكتب ويثبت الناس، موجها رسالته إلى الأحرار في العالم، قائلاً: “انتفضوا من أجل غزة”.
وأشار الغول أنه عاش طوال الحرب، متنقلًا بين مناطق النزوح والجوع. وأضاف: “اضطررت للبحث عن الطعام لأبنائي خلف خطوط العدو، وأكلنا ما لم يكن يُؤكل. رغم كل ذلك، صامدون في شمال غزة، ولن نغادرها حتى نحقق التحرير أو نلقى الله”.
غزة كانت ندا
مع وقف إطلاق النار في غزة، وعودة مئات آلاف النازحين إلى مدينتهم الغالية، كتب الأديب الغول: الطريق إلى الشمال يمر من مخيم الشاطئ، من صيدلية طالب إلى قهوة غبن وصولا إلى الشوارع الأخرى المتفرعة. يضيف: في العتمة ما تزال الوفود تترى، مثقلة بهمومها، تجر نفسها بتعب شديد، لا شيء يضيئ هذا الضجيج، الناس سكارى، كأن عذاب الله لهم وحدهم. هذا يجر جرة غاز، ذاك يدفع عربة متهالكة، والشاب يجر أبيه على الكرسي المتحرك. والفتاة تتعكز على أبيها.. الجميع يوغل في عتمة لانهائية.
بيقين يتابع: صدقوني أمام هذا المشهد، لا أرى سوى الأمل العظيم والنصر الأعظم.. بارقة الأمل تظهر في أحلك الأوقات. وحاشاه أن يترك غزة ودماء الأطفال تذهب هدرًا. لا يمكن وأنت تبصر هذا المشهد إلا أن تقول: لقد كانت غزة ندا بينما ينام العالم.