الأحد 02/فبراير/2025

الحواجز والبوابات .. سلاح إسرائيل لخنق الضفة الغربية

الجمعة 31-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

عبر مئات الحواجز والبوابات تقطع قوات الاحتلال الإسرائيلي شوارع الضفة الغربية وتغلق مدنها وقراها، في إطار مشروعها الاستيطاني الاستعماري المبني على التفتيت الجغرافي والديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة.

فإلى جانب عمليات التوسع الاستيطاني، وبناء الطرق الالتفافية وتشييد جدار الضم في الضفة الغربية، بما فيها القدس، كثفت قوات الاحتلال، وعلى مدى عقود من إقامة حواجز عسكرية حولت المدن والقرى والمخيمات إلى كانتونات منعزلة يصعب التنقل بينها.

وأصبحت هذه الحواجز أداة متجددة لفرض الحصار وخنق الفلسطينيين. هذه الحواجز، التي تنتشر على امتداد المدن والقرى الفلسطينية، لا تقتصر على عرقلة التنقل فحسب، بل تمثل أيضًا عاملًا رئيسيًا في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل الحياة اليومية للفلسطينيين أشبه بكابوس متواصل.

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تصاعدت القيود على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث شددت سلطات الاحتلال إجراءاتها عبر أكثر من 898 حاجزا ونقطة تفتيش دائمة ومؤقتة.

ووفق تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فمنذ 19 يناير 2025، بدأت قوات الاحتلال بزيادة أعداد الحواجز، ووضعت 17 بوابة حديدية إلكترونية، والعديد من نقاط التفتيش على مداخل المدن والقرى وشوارع الضفة، وشددت القيود على حرية الحركة والتنقل بين تلك المدن والقرى، لتعزلها عن بعضها البعض.

ويأتي تكثيف الحواجز والبوابات في إطار تكريس سياسة الاحتلال في خنق الضفة الغربية، من أجل تسهيل السيطرة والهيمنة الإسرائيلية عليها بشكل مرئي، وهو ما يشكل جزءاً من محاولة تطبيق مخطط الضم، من خلال التضييق على الفلسطينيين وضرب مقومات البقاء وحرية التنقل.

تشير التقارير الحقوقية إلى أن هذه الحواجز ليست مجرد نقاط تفتيش أمنية، بل أدوات لعقاب جماعي ممنهج، حيث تُستخدم لإغلاق الطرق بشكل عشوائي، وإعاقة وصول الفلسطينيين إلى أماكن عملهم ومستشفياتهم ومدارسهم، في انتهاك صارخ للحقوق الأساسية.

ويبلغ عدد الحواجز الثابتة والطيارة والبوابات الحديدية والسواتر الترابية والمكعبات الإسمنتية 898 حاجزاً إسرائيلياً في أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية المحتلة، وفقاً لإحصائية نشرتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وهذه الحواجز والعوائق موزعة على النحو التالي:

  • الخليل: 229 حاجزاً
  • رام الله والبيرة: 156 حاجزاً
  • نابلس: 147 حاجزاً
  • القدس: 82 حاجزاً
  • بيت لحم: 65 حاجزاً
  • قلقيلية: 53 حاجزاً
  • سلفيت: 50 حاجزاً
  • طوباس: 33 حاجزاً
  • أريحا: 32 حاجزاً
  • طولكرم: 27 حاجزاً
  • جنين: 24 حاجزاً

يعاني العمال والطلبة والمرضى يوميًا من التأخير والإذلال على هذه الحواجز، حيث يضطرون إلى الانتظار لساعات طويلة في ظروف غير إنسانية. مشاهد الطوابير الطويلة عند الفجر باتت جزءًا من الروتين اليومي للفلسطينيين، بينما تضيع فرص العمل والتعليم بسبب العراقيل المفروضة.

على الصعيد الاقتصادي، تسببت هذه الحواجز في تفاقم الأوضاع المعيشية، حيث يعاني التجار والمزارعون من صعوبة نقل بضائعهم، مما أدى إلى خسائر مالية فادحة. تشير التقديرات إلى أن القيود المفروضة على التنقل تكبد الاقتصاد الفلسطيني ملايين الدولارات شهريًا، بسبب تعطل سلاسل الإمداد وصعوبة تصدير المنتجات الزراعية والصناعية.

يروي الفلسطيني محمد حسين جانب من معاناته اليومية جراء الحواجز الإسرائيلية، خاصة حاجز جبع، الذي يحوّل تنقله وأسرته إلى رحلة شاقة. يعيش أحمد مع عائلته في حي المطار ببلدة كفر عقب، بينما يعمل في الداخل المحتل، وتعمل زوجته معلمة في بيت حنينا، التي لا تبعد سوى 10 دقائق عن منزلهم، ويدرس أبناؤهما في مدارس قريبة من عمل والدتهم. لكن هذه المسافة القصيرة تتحول إلى كابوس يومي بسبب الحاجز، حيث يضطرون للاستيقاظ في الثالثة والنصف فجراً ومغادرة المنزل في الرابعة صباحاً لتفادي الازدحام الذي يسببه إغلاق حاجز جبع في الخامسة فجراً. ورغم ذلك، يقضون ساعات طويلة في الطريق، ويعودون إلى المنزل مرهقين، لدرجة أن وجبة الغداء أصبحت رفاهية يفوتونها غالباً.

يصف أحمد شعوره بأن الأزمات المرورية أشبه بالسجن، ويؤثر هذا الضغط النفسي على حياته الاجتماعية والأسرية، حيث يرى أبناءه مرهقين يومياً، خاصة في برد الشتاء القارس. رغم امتلاكهم الهوية الإسرائيلية الزرقاء، إلا أن وضعهم الإنساني صعب، فهم مجبرون على البقاء في القدس بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، كما لا يستطيعون الانتقال إلى بيت حنينا بسبب ارتفاع الإيجارات وندرة المنازل نتيجة سياسة الاحتلال في هدم البيوت وتقييد رخص البناء. هذه الأزمة السكنية دفعت العديد من العائلات للعيش في كفر عقب رغم المعاناة اليومية على الحواجز وسوء الخدمات، ما يجعل حياتهم سلسلة لا تنتهي من المعاناة.

وحاجز جبع هو واحد من 83 حاجزًا وبوابة إسرائيلية تقيمها قوات الاحتلال في أحياء القدس وخنق أحياءها ومنع تواصلها مع بعضها.

يدّعي الاحتلال أن هذه الحواجز ضرورية لدواعٍ أمنية، إلا أن الواقع يشير إلى أنها جزء من سياسة مدروسة تهدف إلى تقويض الحياة الفلسطينية وإضعاف الاقتصاد المحلي. يعد المراقبون أن هذه القيود تندرج ضمن استراتيجية أوسع للضغط على الفلسطينيين وإجبارهم على التكيف مع واقع الاحتلال، أو حتى دفعهم إلى الهجرة القسرية.

كما تُستخدم هذه الحواجز كأداة ضغط سياسي وعقاب جماعي، حيث يشددها الاحتلال أ ويخففها وفقًا للظروف السياسية والميدانية. في كثير من الأحيان، تغلق سلطات الاحتلال الحواجز بشكل مفاجئ، دون أي مبرر، مما يتسبب في تعطيل حياة آلاف المواطنين، ويزيد من مشاعر الإحباط والغضب بين الفلسطينيين.

لم تقتصر الانتهاكات الإسرائيلية على عرقلة التنقل، بل تحولت الحواجز إلى مواقع استهداف مباشر للفلسطينيين. خلال الأشهر الأخيرة، ازدادت حوادث إطلاق النار على المواطنين عند الحواجز، ما أدى إلى استشهاد وجرح العشرات، في حوادث غالبًا ما يُبررها الاحتلال بزعم محاولات تنفيذ عمليات طعن أو دهس.

وفقًا لشهادات ميدانية، فإن العديد من الضحايا لم يشكلوا أي تهديد، بل كانوا في طريقهم إلى أعمالهم أو مدارسهم عندما أُطلق عليهم الرصاص بدم بارد. هذه الممارسات، التي تكررت بشكل ملحوظ، تعكس مدى استخدام الحواجز كمواقع إعدام ميداني للفلسطينيين.

مع تصاعد الانتهاكات، أطلقت منظمات حقوقية دولية نداءات عاجلة لرفع القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووقف سياسة العقاب الجماعي التي تنتهك القوانين الدولية واتفاقيات جنيف. رغم هذه الدعوات، لا تزال إسرائيل تواصل فرض الحصار على الفلسطينيين، في ظل غياب ضغط دولي حقيقي لوقف هذه الانتهاكات.

تمثل الحواجز العسكرية الإسرائيلية أحد أبرز أدوات الاحتلال في التضييق على الفلسطينيين وتعطيل حياتهم اليومية. وبينما قد يتغير شكل العدوان، إلا أن جوهر المعاناة يظل قائمًا، مما يجعل الفلسطينيين في مواجهة دائمة مع سياسات قمعية تهدف إلى كسر إرادتهم والنيل من صمودهم. في ظل استمرار هذه السياسة، يبقى السؤال مطروحًا: إلى متى سيبقى العالم صامتًا أمام معاناة شعب يُحاصر في أرضه، ويُمنع من أبسط حقوقه في التنقل والعيش بكرامة؟