الأربعاء 22/يناير/2025

مخيم جباليا .. أيقونة للمقاومة والصمود الفلسطيني

الأربعاء 25-ديسمبر-2024

مدارك / هيئة التحرير
على مساحة لا تتجاوز 1.4 كم2، يقف مخيم جباليا في شمال شرق قطاع غزة، شاهدًا حيًّا على مأساة اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948 وحتى حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية. المخيم الذي احتضن أولى شرارات انتفاضة الحجارة، بات اليوم رمزًا للصمود والمقاومة رغم الدمار الشامل الذي يطاله.

يقع مخيم جباليا بمحاذاة بلدة جباليا، على بعد كيلومتر واحد فقط من الطريق الرئيسية غزة-يافا. يحده من الشمال بيت لاهيا ومن الجنوب والغرب بلدة جباليا وقرية النزلة. الموقع الاستراتيجي جعله عرضة للاستهداف المستمر.

مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، كان مخيم جباليا هدفًا رئيسيًّا. شهد المخيم مجازر مروعة أبرزها قصف السوق الشعبي بعد يومين من بدء العدوان، والذي أوقع 50 شهيدًا. وفي 31 أكتوبر، استهدف قصف جوي مربعًا سكنيًا قرب المستشفى الإندونيسي، مسفرًا عن استشهاد أكثر من 400 شهيد وجريح. كما تعرضت مدرسة الفاخورة لقصف متكرر، وبينهما وبعدهما توالت المجازر؛ ما أدى إلى استشهاد مئات النازحين.

أنشئ المخيم بعد نزوح آلاف الفلسطينيين عام 1948، وشهد تحولًا من الخيام إلى بيوت إسمنتية صغيرة بناها سكانه بإشراف وكالة الأونروا. لكن الاكتظاظ السكاني وغياب التخطيط جعلا المخيم يعاني من بنية تحتية متدهورة.

خلال العقود الماضية، حاول الاحتلال تدمير المخيم ومحوه من الذاكرة الفلسطينية عبر تدمير آلاف المنازل وتهجير السكان. ففي سبعينيات القرن الماضي، هدم الاحتلال أكثر من 3500 غرفة وأجبر نحو 1200 عائلة على مغادرة منازلها، لكن المخيم بقي صامدًا، بل أصبح أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم وخزانًا للثورة الفلسطينية.

منذ تأسيسه، أدى مخيم جباليا دورًا محوريًا في المقاومة الفلسطينية. انطلقت منه شرارة انتفاضة الحجارة عام 1987،

يُعد مخيم جباليا معقلاً بارزاً للمقاومة الفلسطينية على مدار العقود. شهد المخيم انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف حضور المقاومة فيه. وبرز منه قادة مثل الشهيد عماد عقل، الذي طور عقيدة “من مسافة صفر” القتالية. كما شهد المخيم مواجهات حاسمة في معركة “أيام الغضب” عام 2004، التي استمرت 17 يومًا.

في الأيام القليلة الماضية، نفذت المقاومة بقيادة كتائب القسام، عدة كمائن نوعية في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي الثالث للمخيم خلال الحرب الإسرائيلية الحالية.

يدير المخيم 32 منشأة للأونروا، تشمل مدارس ومراكز صحية وآبار مياه. لكن سكانه يعانون من انقطاع الكهرباء وتلوث المياه وارتفاع معدلات البطالة. يعتمد معظمهم على المساعدات الغذائية والنقدية التي تقدمها الأونروا.

توالت المجازر على مخيم جباليا، من قصف المنازل إلى استهداف قادة المقاومة. في عام 2009، اغتال الاحتلال القيادي نزار ريان مع عائلته. وفي الحروب المتتالية، استخدمت إسرائيل قنابل ثقيلة دمرت أحياء بأكملها، متسببة في استشهاد آلاف المدنيين.

ويشهد المخيم هذه الأيام صمودًا جماعيًا نادرًا أمام حرب الإبادة الإسرائيلية التي دمرت نحو 95% من مبانيه. وفي هذا الصدد يؤكد الباحث في شؤون التاريخ محمد المصري أن سكان جباليا يقدمون نموذجًا فريدًا في الثبات، نابعًا من وعيهم الجماعي بأهمية الأرض وحقهم في الدفاع عنها، مشددا على أن هذا الصمود يرسخ مكانة المخيم كرمز للمقاومة الفلسطينية ويؤكد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه.

مخيم جباليا ليس مجرد مكان، بل رمز للصمود الفلسطيني. رغم الدمار الهائل، يبقى سكانه متشبثين بحقوقهم في وجه الاحتلال. قصته تمثل ملحمة إنسانية تستحق أن تُروى للعالم كدليل على صمود شعب بأكمله في وجه آلة الحرب الإسرائيلية.