الأربعاء 22/يناير/2025

الأعياد اليهودية .. محطات تتصاعد فيها اعتداءات إسرائيل على الأقصى

الجمعة 27-ديسمبر-2024

مدارك/هيئة التحرير

مع حلول الأعياد اليهودية، يشهد المسجد الأقصى ومدينة القدس عمومًا اعتداءات متصاعدة، وإجراءات عدائية مكثفة تهدف إلى تغيير هويته الإسلامية وفرض “السيادة الإسرائيلية” عليه.

وأصبحت هذه الأعياد في السنوات الأخيرة، مناسبة لمحاولة فرض روايات الاحتلال وإحداث تغييرات ديموغرافية وثقافية في المدينة المحتلة، مستهدفة قبلة المسلمين الأولى ومكوناتها البشرية والمادية.

وشهد منذ السابع من أكتوبر الماضي، المسجد الأقصى تصعيدًا ملحوظًا في الاقتحامات والإجراءات الاستفزازية، التي تتزامن مع محاولات الاحتلال تكريس هيمنة دينية يهودية على المكان. كل ذلك لم يكن وليد الصدفة، بل ضمن خطة تهويدية شاملة تسعى إلى تحويل الأقصى إلى “مقدس يهودي”، وصولًا إلى بناء “الهيكل” المزعوم.

ويمثل عيد “الأنوار/ الحانوكاه” -الذي يمتد من 26 ديسمبر الجاري وحتى 2 يناير 2025 – نموذجًا لاستغلال الاحتلال موسم الأعياد لتصعد العدوان ضد المسجد الأقصى، حيث يستخدمه كوسيلة لترسيخ وجوده في القدس المحتلة. يترافق العيد مع مظاهر احتفالية تهدف إلى تعزيز الهوية اليهودية الدخيلة في المدينة.

كلمة “الحانوكاه” تعني بالعبرية التدشين، وترتبط بروايات دينية يهودية عن تدشين “المذبح” في “المعبد” بعد انتصار الحشمونيين على الإغريق. يستمر العيد 8 أيام ويتضمن طقوسًا خاصة، من بينها إضاءة الشمعدان الذي يحمل تسعة أفرع.

ووفق موسوعة اليهود واليهودية لعبد الوهاب المسيري، هذا العيد لم يكن جزءًا من النصوص الدينية الأساسية، بل ابتدعه الكهنة في سياقات تاريخية محددة. اليوم، يتم استغلال هذا العيد لإبراز الروايات اليهودية المرتبطة بالقدس وتعزيز السيطرة على مواقعها الدينية والتاريخية.

ويتزامن هذا العيد مع محاولات مكثفة لإدخال الطقوس اليهودية إلى المسجد الأقصى. في ساحات البراق المحتل، يتم نصب شمعدان ضخم وإضاءته يوميًا خلال العيد. وفي حالات متعددة، حاول المستوطنون إشعال شموع في ساحات المسجد.

في ديسمبر 2023، شهد “الأقصى” تصعيدًا ملحوظًا؛ ففي 10 ديسمبر أضاء مستوطنون ثلاث شمعات في ساحات المسجد، وتكرر المشهد في اليوم التالي مع أداء صلوات يهودية علنية. تترافق هذه الانتهاكات مع زيادة أعداد المقتحمين للمسجد وتنظيم فعاليات استفزازية في البلدة القديمة.

يعتمد الاحتلال على فعاليات تهويدية مرتبطة بالعيد لتغيير ملامح المدينة، مثل: إضاءة سور البلدة القديمة بعروض ضوئية تحمل رموزًا يهودية، ونشر شمعدانات ضخمة في ساحات المدينة، وتنظيم عروض موسيقية وأحداث احتفالية تهدف إلى تعزيز الطابع اليهودي.

وشهد شهر أكتوبر الماضي، العديد من الأعياد اليهودية التي استخدمت كمناسبة لزيادة الاعتداء على المسجد الأقصى وفرض الهيمنة عليه. فقد احتفل اليهود حول العالم، في مطلعه بما يُعرف بـ«روش هشانا»، أي رأس السنة العبرية. تختلف تواريخ الاحتفال بالعيد من عام إلى آخر. وتأتي تواريخ المناسبات اليهودية من التقويم العبري، لذا فإن رأس السنة اليهودية يبدأ في الخريف، وليس في الأول من يناير (كانون الثاني).

وهذه السنة، بدأت الاحتفالات يوم الأربعاء 2 أكتوبر، وانتهت يوم الجمعة 4 أكتوبر، تلتها عدة أعياد أخرى في الشهر نفسه. وفي هذا الصدد يشير الباحث في شؤون زياد ابحيص إلى أهمية شهر أكتوبر، الذي صادف ذكرى معركة “طوفان الأقصى”، ويصف بشهر الحسم المستحيل للصهاينة، حيث يتزامن مع أعيادهم التوراتية الكبرى ويُظهر مقاومة فلسطينية متصاعدة تعرقل مخططاتهم. يؤكد أن الاحتلال يسعى لاستغلال الوضع الحالي لفرض واقع جديد، إلا أن الميدان الفلسطيني يظل عاملًا رئيسيًا في عرقلة هذه المخططات.

ويبدأ الاحتفال بعيد (روش هشناه) منذ غروب الشمس ويمتد ليومين كاملين، تعطل خلالهما المؤسسات الحكومية والأهلية والمواصلات العامة والمحال التجارية. ويطلق على الأيام العشرة التي تمتد من رأس السنة وحتى عيد الغفران “أيام التوبة”.

وينفخ اليهود خلال هذا العيد في بوق (يسمى شوفار) مصنوع من قرن كبش، ويستمر النفخ فيه منذ بداية السنة وطيلة “أيام التوبة” وتذكر الكتب اليهودية أن النفخ يذكر بقصة الذبح التي أمر الله بها نبيه إبراهيم عليه السلام، لكنهم يعتقدون أن الذبيح هو النبي إسحاق عليه السلام. وللنفخ في البوق مدة ودرجات معينة (منقطع ومتصل) وحسب المعتقدات اليهودية فإن هذا النفخ يحمل دلالات منها إيقاظ القلب والتوبة والتذكير بحادثة انتقالهم من سيناء.

ويأتي عيد الغفران حسب التقويم العبري في العاشر من شهر (تشري) العبري، وصيامه ملزم دون بقية أيام الصيام اليهودية الستة، ويمتد الصيام إلى 25 ساعة متواصلة. وهو يمتد من مغيب شمس العاشر من شهر (تشري) بالتقويم العبري إلى مغيب شمس اليوم التالي، وفيه تتعطل الحياة تماما، وتغلق جميع المؤسسات الرسمية والتعليمية، والمواصلات العامة، ووسائل الإعلام، والطرق والمطارات والحواجز، ويفرض إغلاق مشدد على الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويرتدي اليهود خلال هذا العيد “لباس التوبة” البيضاء، ويشعلون الشموع في الشمعدان قبل نصف ساعة من بدء الصيام، ويتضمن 5 صلوات طويلة تؤدى في الكُنُس وحائط البراق، وهي على الترتيب: عرفيت، شحاريت، موساف، منحاة، ونعيلاه، وهي الخاتمة التي تسبق كسر الصيام بساعتين.

ويُعد عيد العرش أحد الأعياد التوراتية الكبرى المرتبطة بـ”الهيكل”، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة لفرض طقوسها الدينية في الأقصى، بما في ذلك إدخال “القرابين النباتية” ونفخ البوق.

ويرتبط هذا العيد بذكرى سكن اليهود في الخيم وتحت المظلات خلال ضياعهم في سيناء، ونزول المن والسلوى، ويعتبر هذا العيد بداية السنة الزراعية الجديدة، وهو يمتد 8 أيام، بدءا من يوم 15 من شهر “تشري” حسب التقويم العبري.

وتسعى جماعات الهيكل خلال الأعياد إلى فرض طقوس دينية علنية داخل المسجد، وإحداث تغيير تدريجي في هويته الإسلامية، وإظهار هيمنتها على المسجد. وفي هذا الإطار يؤكد أستاذ دراسات بيت المقدس، عبد الله معروف، أن موسم الأعياد اليهودية يمثل ذروة الاعتداءات السنوية على المسجد الأقصى. ويشير إلى خطط جماعات “الهيكل” لتنفيذ اقتحامات وطقوس دينية علنية، تشمل: نفخ البوق داخل ساحات المسجد، وارتداء المستوطنين لباس الكهنة وأداء طقوس تلمودية، وإدخال “القرابين النباتية” خلال عيد العرش، وأداء ما يسمى “بركات الكهنة” و”السجود الملحمي”.

وتفرض قوات الاحتلال قيودًا مشددة خلال الأعياد اليهودية، ما يزيد من معاناة الفلسطينيين في التنقل وممارسة حياتهم اليومية. في المقابل، تُمنح المستوطنين تسهيلات واسعة لممارسة طقوسهم. تشمل هذه الإجراءات إغلاق المحال التجارية الفلسطينية بالقوة، وتكثيف الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش.

أمام تعاظم الخطر الذي يستهدف المسجد الأقصى، يمثل صمود المقدسيين والمقاومة خط الدفاع الأول في وجه المخططات الإسرائيلية، ويبقى السؤال متى تنتصر الأمة لقبلتها الأولى وتدرك أن حماية الأقصى واجب جماعي يتطلب تفعيل كل أدوات الضغط والمقاومة للحفاظ على هويته الإسلامية وحمايته من التهويد.