الأربعاء 22/يناير/2025

العطش في غزة .. معاناة النازحين تحت رحى الإبادة

الخميس 2-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

في طابور طويل يصطف عشرات الفلسطينيين لساعات للحصول على جالون ماء في مخيمات النزوح في قطاع غزة، في وقت يتصدر فيه الحصول على المياه قائمة الأزمات اليومية التي يواجهها النازحون وسط حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية.

ويواجه مئات آلاف الفلسطينيين تحديات هائلة في تأمين المياه النظيفة وسط النزوح والتشرد، مع انقطاع إمدادات الطاقة وصعوبة تشغيل الآبار وتدمير إسرائيل الممنهج لخزانات المياه والعديد من الآبار.

غياب الشمس لساعات طويلة في الشتاء يعمق الأزمة، إذ تعتمد العديد من آبار المياه على الطاقة الشمسية. في هذه الأوضاع الحالية، يقضي المواطنون ساعات في انتظار المياه، وغالبًا ما يعودون بمياه غير صالحة للشرب، ما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض.

مصطفى أبو موسى، أحد النازحين، يقول: “نقف في طوابير طويلة منذ الفجر للحصول على المياه، ولكن حتى هذا الانتظار قد لا يضمن لنا ما نحتاجه”. مثله يزيد مهنا يصف يومه بأنه رحلة مستمرة بين البحث عن المياه والطعام، مشيرًا إلى أن غياب الوقود يضاعف من معاناة تشغيل الآبار.

نتيجة شح الوقود والاعتماد المتزايد على السوق السوداء، ارتفعت أسعار المياه إلى مستويات غير مسبوقة. محمد الخطيب، صاحب شاحنة مياه، يؤكد أن سعر كوب المياه وصل إلى 200 شيقل (الدولار 3.62 شواكل)، مقارنة بـ 25 شيقلا قبل الحرب. يقول: “ارتفاع أسعار الوقود وعدم توفره يدفعنا إلى رفع التكلفة، ما يثقل كاهل المواطنين.”

الطفل أدهم عبد الله يضطر للمشي لمسافات طويلة للحصول على المياه، وغالبًا ما يعتمد على مساعدة المارة. الحاج أبو محمود يصف الشتاء بأنه أصبح “ضيفًا ثقيلًا” بسبب ما يجلبه من برد ومعاناة، في حين تضطر أُسر بأكملها، مثل عائلة أبو ربيع الهندي، للوقوف معًا في طوابير المياه لضمان حصولهم على الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية.

وأعربت “منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسف) عن قلقها الشديد من أنه “سوف يرتفع عدد الوفيات بشكل كبير … إذا استمر الأطفال في شرب المياه غير الآمنة ولم يتمكنوا من الحصول على الدواء عندما يمرضون”.

أزمة المياه في قطاع غزة، قديمة، لكنها أخذت بعدًا كارثيا بدءًا من يوم 7 أكتوبر 2023، عندما أغلقت حكومة الاحتلال الإسرائيلية أنابيب المياه التي تمد غزة مع قرار وقف إمداده بالطعام، في إطار استخدام التجويع والتجويع كسلاح في الحرب.

لاحقا، ونتيجة الضغط الدولي استأنفت إسرائيل إلى بعض أجزاء جنوب قطاع غزة، ودخلت كميات قليلة من المياه عبر مصر، لكنها لم تصل إلى الجميع وهي بعيدة جدا عن تلبية احتياجات سكان غزة، ما يجبر الكثيرين على الاعتماد على موارد المياه المحلية التي تقلصت الكميات المستخرجة نتيجة عدم توفر الوقود وقصف الآبار.

وفوق كل ذلك تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 96% من موارد المياه في غزة “غير صالحة للاستهلاك البشري”.  وحسب “سلطة المياه الفلسطينية”، تعطلت شبكات مياه الصرف الصحي ومنشآت تحلية مياه البحر منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب النقص في الوقود والكهرباء، ما عطّلها إلى حد كبير منذ ذلك الحين.

تقارير محلية تشير إلى توقف 700 بئر عن العمل نتيجة الاستهداف الإسرائيلي. كما دمر القصف تدمير 126 آلية لخدمات المياه والصرف الصحي، ما يعادل 80% من القدرة التشغيلية لهذه الخدمات. تقول وكالة الأونروا إن 67% من مرافق المياه والبنية التحتية تعرضت للتدمير، مما يهدد حياة أكثر من 700 ألف مواطن في دير البلح وحدها.

رغم أن قطاع غزة يقع فوق بحيرة مياه جوفية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يستنزفها عبر خطوط أرضية ويمنع الفلسطينيين من استخدامها. هذا الاستنزاف يزيد من أزمة شح المياه التي يعاني منها القطاع، حيث يحصل السكان على 35% فقط من احتياجاتهم قبل الحرب، وفق تقارير رسمية.

وأمام استفحال الأزمة وتداعيات، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش الحكومة الإسرائيلية أن ترفع فورا الحصار عن قطاع غزة، الذي وصفته بأنه عقاب جماعي وجريمة حرب، وطالبتها أن تعيد المياه والكهرباء، وتسمح بدخول إمدادات الغذاء، والمساعدات الطبية، والوقود التي تمس الحاجة إليها في غزة، بما في ذلك عبر معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه.

الوضع الإنساني يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ويتطلب حلولًا مستدامة توقف معاناة السكان وتجبر الاحتلال على إنهاء استهدافه للبنية التحتية الحيوية.