الأربعاء 22/يناير/2025

الشتاء يحاصر النازحين .. والبرد يقتل أطفال غزة في صمت

الخميس 9-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

مع حلول الشتاء، يواجه مئات الآلاف من النازحين في قطاع غزة فصلاً جديدًا من المعاناة القاسية، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية وانهيار الأوضاع الإنسانية. يعيش هؤلاء النازحون في خيام مؤقتة بالية غير قادرة على مقاومة الرياح والأمطار، مما يفاقم معاناتهم اليومية.

منذ أن شردتهم الغارات الجوية ودمرت منازلهم، لجأت عائلات كثيرة إلى الخيام كملاذ أخير. محمد حماد، أحد النازحين الذين فروا من شمال غزة إلى الجنوب، يصف حال أسرته قائلاً: “منذ أن قُصف منزلنا، لم نجد مكانًا يأوينا. لجأنا إلى هذه الخيمة التي بالكاد تحمينا من الأمطار والرياح. لقد تهاوت من كثرة الاستخدام، ولا توجد أي بدائل في الأفق”.

يروي حماد كيف أصبحت الخيمة خطرًا يهدد أسرته، ويضيف: “الاحتلال يمنع دخول المساعدات التي قد تخفف معاناتنا. نعيش على أمل أن يسمع العالم صرختنا ويتحرك لإنقاذنا”.

أمين الراعي، رب أسرة أخرى نزحت نتيجة القصف، يقول بحزن: “الشتاء الماضي كان كابوسًا. الأمطار غمرت خيامنا بالكامل، عشنا أيامًا أشبه بالجحيم. لا كهرباء، لا تدفئة، وأطفالنا يرتعشون من البرد”. ويتساءل أمين بمرارة: “إلى متى سيستمر هذا الوضع؟”.

محمد، أب لثلاثة أطفال، استيقظ منتصف الليل ليجد ابنه يرتجف من البرد بعد أن انكشف عنه الغطاء أثناء النوم. يقول: “كانت أطرافه متجمدة وشعرت بالرعب، تذكرت فوراً الأطفال الذين ماتوا بسبب البرد. منذ ذلك اليوم، أنا وزوجتي نستيقظ كل ليلة عدة مرات لنتأكد أن الأولاد دافئون”.

حالة مشابهة يعيشها أبو عدي، الذي فقد منزله في القصف ولجأ مع عائلته إلى خيمة في وسط القطاع. يقول: “كان لدينا في منزلنا سابقاً ما يكفي من الأغطية والمدافئ، أما الآن فنحن بالكاد نملك غطاء واحداً لأبنائي الثمانية، ولا يمكننا شراء المزيد بسبب ارتفاع الأسعار.”

ووفق وزارة الصحة في غزة، استشهد 8 أطفال على الأقل، نتيجة البرد في خيام النزوح في قطاع غزة، وسط مخاوف من ارتفاع العدد مع دخول أربعينية الشتاء، واستمرار الحرب والحالة الإنسانية الصعبة التي يعيشها النازحون.

تسلط الدكتورة سمر محمود، التي تعمل كطبيبة متطوعة في المخيمات، الضوء على الأوضاع الصحية المتدهورة. تقول: “الخيام غير صالحة للسكن ومياه الأمطار تزيد من انتشار الأمراض. الأطفال الرضع وكبار السن يعانون بشكل خاص، في ظل نقص الأدوية والرعاية الصحية”. وتحذر من أن استمرار هذه الظروف قد يؤدي إلى وفيات بين النازحين.

المنظمة الدولية للهجرة أعربت عن قلقها من تأثير درجات الحرارة المتجمدة على النازحين. وقالت المديرة العامة للمنظمة، إيمي بوب: “فقد سبعة أطفال رضع حياتهم بسبب انخفاض حرارة أجسادهم. هذه وفيات يمكن تفاديها لو كانت هناك استجابة إنسانية عاجلة.”

منظمة “يونيسف” حذرت أيضاً من تدهور الأوضاع. وأوضحت أن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر بسبب نقص الملابس الشتوية والبطانيات، مضيفة أن العديد من الأطفال لا يزالون يرتدون ملابس صيفية، فيما يبحث الأهالي عن أي شيء لإشعاله من أجل التدفئة.

وفق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، لا يزال 945 ألف شخص في غزة بحاجة ماسة للمساعدات الشتوية. القيود الإسرائيلية على دخول الإمدادات تزيد من تفاقم الأزمة، حيث لم يتلق سوى 285 ألف شخص دعماً منذ سبتمبر الماضي.

صحيفة نيويورك تايمز وصفت الوضع بأنه “ثالوث الموت”، حيث يتسبب القتل والجوع والبرد في معاناة لا يمكن وصفها. أما شبكة NBC News، فذكرت أن أطفال غزة “يولدون في الحرب ويموتون في البرد”، مشيرة إلى أن الخيام والملاجئ المؤقتة لا توفر أي حماية من البرد القارس.

يعاني قطاع غزة من حصار خانق منذ عام 2006، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وقد زادت الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023 من حجم الكارثة، حيث شردت مليوني إنسان ودمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل.

بين البرد والجوع والخوف، يواجه نازحو غزة شتاءً جديدًا في خيام لا تقيهم من قسوة الطبيعة ولا من الإهمال الدولي. بينما يتطلع هؤلاء البسطاء إلى دفء الأمان، يجدون أنفسهم في مواجهة شبح الموت في صمت عالمي مطبق. ويبقى السؤال متى يتحرك الضمير الإنساني لإنقاذهم؟