الأربعاء 22/يناير/2025

مركز رشاد الشوا .. صرح ثقافي دمره الاحتلال يحتضن النازحين

الإثنين 13-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

بين أطلال صرح ثقافي كان ينبض يومًا بالفن والإبداع، تتكشف مآسي النزوح التي خلفتها الحرب في غزة، حيث أصبح مركز “رشاد الشوا” الثقافي المدمر شاهدًا على معاناة لا تنتهي.

على أنقاض مركز رشاد الشوا الثقافي غرب مدينة غزة، يجلس خضر جنيد مع أطفاله السبعة حول نار أوقدها في علبة صفيح مهترئة. كان هذا الصرح في السابق رمزًا للثقافة والإبداع، أما الآن فقد تحول إلى مأوى لعائلة جنيد، التي نزحت هربًا من جحيم الحرب المستمرة.

تأسس المركز عام 1988 ليكون رمزًا للنهضة الثقافية في غزة. منذ عام 1992، احتضن المركز أمسيات شعرية، معارض فنية، وفعاليات ثقافية جعلته نقطة تلاقٍ للمبدعين والمثقفين في القطاع. كان المبنى يضم ثلاث قاعات متعددة الاستخدامات، مكتبة ضخمة تحتوي على أكثر من 100 ألف كتاب، ومسرحًا واسعًا يُعتبر من الأهم في غزة، بالإضافة إلى مقهى ثقافي ومطبعة قديمة.

لكن منذ أن استهدفته الطائرات الإسرائيلية بالقصف، خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم يتبق منه سوى جدران متداعية وركام متناثر. لم يقتصر الدمار على المبنى وحده، بل امتدت المأساة لتحتضن العائلات النازحة التي وجدت في أنقاض المركز ملاذًا مؤقتًا.

خضر جنيد، الذي نزح قسرًا من مخيم جباليا مع عائلته بعد تدمير منزلهم يقول: “هذه المرة العاشرة التي ننزح فيها. لم نحمل معنا سوى أرواحنا. وجدنا أنفسنا هنا بلا أغطية ولا طعام. نحاول النجاة، لكن البرد لا يرحم أطفالنا.”

يبقى جنيد مستيقظًا طوال الليل ليحافظ على النار مشتعلة، متحسسًا أي بصيص أمان يحمي أبناءه من قسوة الشتاء.

وفي زاوية أخرى من المبنى المدمر، تجلس فاطمة السيد، مسنة تجاوزت السبعين من عمرها، على كرسيها المتحرك. تحكي بصوت مرتجف تفاصيل نزوحها من شمال غزة: “طلب منا الاحتلال المغادرة فورًا. تركنا كل شيء خلفنا، حتى أغطيتنا وملابس أطفالنا. لم نكن نعلم إلى أين نتجه، وفي النهاية وجدنا أنفسنا هنا بين هذه الجدران المهدمة.”

ما حدث لمركز رشاد الشوا يعكس حجم الاعتداءات الإسرائيلية التي لم تستثنِ البشر أو الحجر. دُمّرت المراكز الثقافية والمسارح التي كانت رموزًا للتطور والإبداع، وتحولت إلى رموز للألم والنزوح.

تُظهر هذه الأحداث مدى استهداف البنية التحتية لغزة، إذ لم تقتصر الخسائر على استشهاد وإصابة الآلاف، بل شملت تدميرًا واسعًا للمنازل والمؤسسات التي كانت تسهم في تعزيز هوية الشعب الفلسطيني الثقافية والوطنية.

بلدية غزة الجهة المشرفة على المركز، أدانت تدميره من الاحتلال، مؤكدة أن استهدافه يندرج ضمن عدوانه الهمجي على قطاع غزة وقتله آلاف المدنيين وتدميره لمعالم المدينة الرئيسة، ومحو الذاكرة الحضارية للشعب الفلسطيني.

ودعت البلدية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) للتدخل وإدانة جرائم الاحتلال بحق المراكز الثقافية والمكتبات ومعالم المدينة التاريخية والأثرية.

قبل تدميره، لعب المركز دورًا محوريًا في كسر العزلة الثقافية والحضارية التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، في محاولاته المستمرة لطمس الهوية الفلسطينية وسرقة تراثها. ورغم إسهاماته الكبيرة، عانى المركز قبل استهدافه من عُزلة متزايدة نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، مما أثّر بشكل كبير على الحياة الثقافية والاجتماعية في قطاع غزة.

استضاف مركز رشاد الشوا العديد من الفعاليات التاريخية التي تركت بصمة في مسار القضية الفلسطينية، من أبرزها جلسات المجلسين الوطني والتشريعي، وزيارات شخصيات دولية بارزة، كان أبرزها زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998، خلال عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، إلى جانب استقبال وفود وشخصيات عالمية عديدة.

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في أكتوبر 2023، استشهد وأصيب أكثر من 155 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بينما فُقد أكثر من 11 ألف شخص تحت الأنقاض. البنية التحتية في غزة، بما في ذلك المراكز الثقافية، المستشفيات، والمدارس، تعرضت لدمار هائل، ما عمّق الأزمة الإنسانية في القطاع.

رغم أن مركز رشاد الشوا لم يعد كما كان، إلا أنه يحمل الآن رسالة جديدة، رسالة ألم وصمود. تحول المبنى من منصة للإبداع إلى ملاذ للنازحين، وشاهد على جرائم الحرب التي لم تترك مكانًا للإبداع أو الحياة. ومع استمرار العدوان، يبقى هذا المركز شاهدًا حيًّا على التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل البقاء والتحرر.