الأربعاء 22/يناير/2025

الأمراض المزمنة .. كارثة إنسانية صامتة وسط الحرب على غزة

الجمعة 17-يناير-2025

مدارك / هيئة التحرير

في غزة، حيث يتعاظم الموت ويعم الدمار، تبقى الكارثة الإنسانية بعيدة عن الأرقام الجافة التي تعلن عنها المؤسسات الدولية. فخلف مشاهد الركام والأشلاء، هناك مأساة أخرى تُنسج بصمت في ظلال الحرب؛ معاناة المرضى المزمنين الذين باتوا يواجهون خطر الموت البطيء مع انهيار شبه كامل للنظام الصحي.

بالنسبة لأمثال محمد نبهان واعتدال البس وعشرات الآلاف من المرضى الآخرين، باتت الحياة اليومية معركة مستمرة للبقاء، حيث يتساقط المرضى واحدًا تلو الآخر في انتظار دواء أو علاج قد لا يأتي.

محمد نبهان، 33 عامًا، يعيش منذ عام 2012 مع معاناة الفشل الكلوي. لكن منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تضاعفت معاناته. عندما حاصر العدوان الإسرائيلي مدينته، حُرم محمد من جلسات غسيل الكلى لمدة تجاوزت 17 يومًا، ما كاد يودي بحياته. اضطر للنزوح إلى مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، حيث لم يعد بإمكانه تلقي أكثر من جلستين في الأسبوع بدلًا من ثلاث. “أشعر وكأن الموت يقترب مع كل جلسة مؤجلة”، يقول محمد بينما تتفاقم حالته وسط نقص الأدوية وتدهور التغذية الصحية.

اعتدال البس، التي تواجه سرطان القولون منذ عام 2015، شهدت انهيار آمالها حين دمّر الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الصداقة الفلسطيني التركي، الذي كان يوفر لها العلاج الكيميائي. تقول اعتدال: “منذ أكثر من 15 شهرًا لم أخضع لأي فحص أو علاج. أشعر بأن المرض يتوحش داخلي، لكن الأمل الوحيد هو في معجزة توقف هذه الحرب وتعيد الحياة إلى النظام الصحي الميت.”

منذ بدء الحرب، تحول القطاع الصحي في غزة إلى ركام، حيث دمّرت إسرائيل 82 مركزًا صحيًّا من أصل 90، وأُخرجت غالبية المشافي عن الخدمة، بما في ذلك المستشفى الوحيد المخصص للمرضى النفسيين. نقص الأدوية بلغ مستويات كارثية، حيث يشير تقرير وزارة الصحة إلى أن 80% من أدوية الأمراض المزمنة و90% من أدوية السرطان قد نفدت تمامًا. وبات المرضى، الذين كان يمكن إنقاذهم بالعلاج، يواجهون الموت المحتوم.

عائشة البُرعي، فلسطينية في العقد السابع من عمرها، تعاني من تضخم القلب وتوسع الشريان التاجي. كانت تتابع حالتها الصحية بانتظام قبل الحرب، لكنها الآن تعيش أيامها في خوف دائم من الموت بسبب نقص الدواء وانعدام الرعاية.

أما عدنان حسونة، الذي يعاني من السكري وارتفاع ضغط الدم، فيقول: “لقد فقدت القدرة على التحكم بمستوى السكر في دمي بسبب عدم توفر الأنسولين، وأصبحت حياتي رهينة لوضع صحي متدهور.”

وفقًا لبيانات وزارة الصحة في غزة، هناك 350 ألف مريض يعانون من أمراض مزمنة، من بينهم:

  • 71 ألف مريض بالسكري.
  • 225 ألف مريض بارتفاع ضغط الدم.
  • 12,500 مريض بالسرطان، بينهم 2,500 طفل.

بينما يُحرم هؤلاء المرضى من العلاج، بفعل الحصار والحرب الإسرائيلية المتواصلة، يعجز النظام الصحي عن توفير أي استجابة فعّالة، حيث توقف العمل في المختبرات الطبية بنسبة كبيرة بسبب نقص المعدات والمستلزمات الضرورية.

ديمة (14 عامًا) وأمير (5 سنوات)، شقيقان يعانيان من ضمور العضلات، مثال آخر على المعاناة في غزة. يقول والدهم: “نعيش في خيمة بعد تدمير منزلنا، ولا يمكننا توفير الغذاء أو العلاج الطبيعي لأطفالنا. نراهم يضعفون يومًا بعد يوم، ونعجز عن فعل أي شيء لإنقاذهم”.

الحرب على غزة ليست مجرد قصف وقتل مباشر؛ إنها جريمة مستمرة تطال المرضى الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم في العلاج والحياة.

ومع الإعلان عن التهدئة يحذو الأمل كل أهل القطاع بانفراجة تنهي شهور الخوف وتتيح للجرحى والمرضى سبل السفر لتلقي العلاج أو الحصول عليه في مشافي القطاع.